لله در الشهيد سليمان الحلبي، الذي فهم حقيقة الصراع، واستقر حب العقيدة في قلبه حتى لاقى ربه شهيدا، بطلا ضحى بحياته لأجل أمته، حتى يعلم المحتل أن المسلم الواعي قادر على هز عروشهم وحده. ركزت المناهج الدراسية وبعض كتب التاريخ على إبراز دور الحملة الفرنسية، وفردت الصفحات لسرد إنجازات الاحتلال الفرنسي، الاحتلال المتحضر الذي نقل لنا العلم والتمدن، لكنك لن تجد ذكر الحلبي إلا في كلمتين” قاتل كليبر ” وكأن الحادثة عادية بسيطة لا تحتاج لدراسة ولا تحليل، أما مجهود الاحتلال الذي داست خيوله الأزهر لابد من الاحتفاء بها!!
لم تكن طعنة الحلبي للجنرال موقف بطولي فحسب، بل كانت طعنة لتلك الإمبراطورية الاستعمارية التي حسبت أن لن يقدر عليها أحد (متمثلة في كليبر)، كانت طعنة في قلب القومية اللعينة، التي دمرت عقول المسلمين، و رسخت في أدمغتهم أن مصر للمصريين، و الشام للشاميين، وهكذا. و المبكي أكثر أن تري بعض علماء المسلمين “الذين ابتلينا بهم”، يتجنى عليه و يتهمه بالتهور والجنون!
من هو سليمان الحلبي؟
هو سليمان ابن الحاج محمد أمين، ولد في عام 1777م ، في قرية عفرين في الشمال الغربي من مدينة حلب، عاش في بلده إلى أن تم العشرين من عمره، فأرسله والده بعد ذلك إلى الأزهر لينهل من علومه، تتلمذ على يد الشيخ أحمد الشرقاوي، ذلك الشيخ الذي كان يقود الثورات ضد المحتل، فغرس في أعماق الحلبي العزة والنضال بأفعاله، اشتد تعلق الحلبي بشيخه وأصبح يلازمه في كل مكان، حتى إنه كان يبيت في بيته، ظلت علاقتهما قوية جدا حتى ارتقى الشرقاوي شهيدا، بعد ما ألقت قوات المحتل القبض عليه وأعدمته.
لم يتحمل قلب الحلبي الذي لم يتعد سن الرابعة والعشرين كل هذا القهر، والظلم، وفجور المحتل، الذي لا يعرف حرمة للأرواح ولا الأعراض، يستبيح المقدسات بدم بارد! وزاد القلب وجعا بعد إعدام الشرقاوي ومعه خمسة من المجاهدين.
اغتيال الجنرال:
جاء اليوم المرتقب، اليوم الذي شهد بطولة حقيقية للحلبي، فقد اختار أن ينصر دينه و يثأر لأمته، بطريقة غاية في الخطورة، والوعي، اختار أن يضرب العدو في مقتل باغتيال قائدهم، وأن يقدم رأس الجنرال هدية لتشفى بها صدور قومٍ مؤمنين.
في 14 يونيو سنة 1800م جاء “كليبر” من الجزيرة، ومعه “بروتان” كبير المهندسين إلى حي الأزبكية، ليجيب دعوة الجنرال “داماس” لتناول الغداء، وما كاد “كليبر” يغادر دار الجنرال “داماس” مخترقًا حديقة الأزبكية، حتى انقض عليه البطل، وطعنه أربع طعنات سريعة، قاتلة قضت عليه، في كبده، وفي سرته وفي ذراعه الأيمن وفي خده الأيمن، فسقط على الأرض صريعًا، وحاول “بروتان” نجدته، فانقض عليه الحلبي وطعنه عدة طعنات ألقته هو الآخر على الأرض، ثم اختفى سريعًا، ولم يُعْثَر له على أي أثر، وانتشر الجند، وعُثِر على “الحلبي” في حديقة قصرٍ مجاورٍ.
ارتقاء الشهيد:
نصب المحتل الفاشي محاكمة للحلبي، وفي أثناء المحاكمة حاولوا انتزاع أي اعتراف منه، فقاموا بضربه والتعدي عليه، لكنه لم يتلفظ بكلمة سوى هذه الكلمات «إنني جئت إلى مصر لأغازي في سبيل الله »، فحكمت المحكمة عليه بحرق يده اليمنى، بالإعدام بالخازوق، و على رفاقه المقيمين معه في السكن بالإعدام، وبالرغم من أنهم لم يشاركوا في أي شيء، إلا أنهم نفذوا حكم الإعدام فيهم، ثم حرقت أجسادهم حتى التفحم، أمام أعين سليمان قبل إعدامه.
غرس وتد الخازوق في سليمان الحلبي فوق “تل حصن المجمع – تل العقارب”، ثم ترك جثمانه الطاهرة المغروس في أحشائه وتد الخازوق النافذ، عدة أيام، تنهشه الطيور الجوارح والوحوش الضواري.
رحل سليمان إلي ربه مقبل غير مدبر، بعد أن روت دمائه الشريفة أفكاره، بعد أن أقام الحجة على المسلمين بأن الدين ينصر بالفعل لا بالنحيب و العويل، بعد أن علمنا أن الفرد الواعي قوة خارقة ويمكنه أن يغير. بعد حادثة مقتل “كليبر” تجرأ الناس على المحتل الفرنسي، حتى تأزم الوضع فقرر ” مينو” الخروج من مصر.
قد يتبادر إلى ذهنك عدة أسأله،
ما الذي يجعل شاب في مقتبل حياته يضحى بروحه من أجل بلد لم تكن بلاده”حسب فكر القوميين”؟ كان يكفيه أن يتعاطف مع المصريين بالدعاء لهم؟!
السؤال الأهم كيف يفكر في قتل الجنرال الفرنسي في وسط جنوده، وهو وحده؟ فمجرد التفكير في المرور من أمام الجنرال درب من دروب الخيال! ما هذه العقلية التي حوت كل معاني العزة والإباء بداخلها؟!
في الحقيقة لم أجد إجابة على هذه التساؤلات سوى الإسلام، نعم إنه الإسلام عندما تكون العقيدة حياتك، ونصرة الدين أحلامك، وأهدافك، ستكون حلبي جديد، وقتها لن تكون حساباتك تعتمد على قوتك، أو عدد من يساندك، فإيمانك سيدفعك لتحدي العالم وحدك، ستشعر أنك قدر الله النافذ على الأرض، فلا عدو يرهبك ولا موت تخشى، ستكون جسد يحارب في الأرض، و قلب معلق برب السماء.
وكما قال أستاذنا د. حسام أبو البخاري ” سليمان الحلبي لابد أن يعود، وكليبر لابد أن يُقتل!
التعليقات