منذ نشأة الجبهة وظهورها في الساحة المصرية كان للكثير من إخواننا ومتابعينا تساؤلات عن الجبهة: تكوينها ومرجعيتها وموقعها على خريطة العمل الإسلامي. وهذه أهم التساؤلات التي طرحت وإجاباتها
هل الجبهة مشروع يجمع السلفيين أم يفرقهم ؟
بين يدي الإجابة لا بد من تقرير حقيقتين واقعيتين :
إذ ليس من شرط المشروع التجميعي ألا يشذ عنه أحد، بل إن ذلك لا يُتصور إلا في ظل ولاية عامة متمكنة، والميسور لا يسقط بالمعسور
الأولى : إن التيار السلفي ليس جماعة في نشأته ولا في وجوده، بل هو متناثر ابتداء بين فردية شائعة، ومجموعات متفاوتة، والمنظم منه في عمل جماعي هو النسبة الأقل التي لا تؤثر على مشهد الافتراق العام.
الثانية : إن حالة التفتت في التيار السلفي ليست مجرد حالة تنظيمية، بل هي أيضا حالة تنظيرية، فليس كل ما يسمى بالسلفية شيئا واحدا، بل قد يبلغ حد التضاد. سواء في قضية الحاكمية، التي تتراوح بين التوحيد والبدعية. أو الأنظمة العلمانية، التي تتراوح بين الكفر وولاية الأمر. أو العمل الجماعي، الذي يتراوح بين الإيجاب والتبديع … الخ.
فهل إذا جاء مشروع ليضم قطاعا واسعا من أبناء هذا التيار، لأنهم يشتركون في أكثر منطلقاتهم ورؤاهم ومواقفهم، وإن تفاوتوا في بعض الخيارات التي يسوغ فيها الاجتهاد. لينسق بينهم في الأكثر المتفق عليه، ويساهم في تفاهمهم حول الأقل الذي يختلفون فيه. هل يكون مشروع تجميع أم تفريق ؟!
إذ ليس من شرط المشروع التجميعي ألا يشذ عنه أحد، بل إن ذلك لا يُتصور إلا في ظل ولاية عامة متمكنة، والميسور لا يسقط بالمعسور، وأقل أحوال مثل هذا المشروع أنه بعد أن كانت الآراء بعدد الأفراد، قلّت فصارت بعدد الكتل، وهذا تجميع يقرب المسافات، لا تفريق يباعد بينها.
ولا يشوش على ما ذكرنا تخوف البعض من عصبية غير شرعية، فإن ذلك مع السعي في تجنبه علميا وعمليا، لا ينهض مانعا مقاوما لمصالح الاجتماع، وإلا لمُنع كل اجتماع. وقد وقعت عصبية ممنوعة لأسماء ولقبليات في زمن النبوة الشريفة، فأُمِر الناس بتركها،ولم يُمنع الاجتماع على الأسماء ولا القبليات.
لقد أُسِّست الجبهة السلفية في خضم أحداث ثورة يناير، لتكون سورا يحوط عموم التيار السلفي الرافض لطغيان الأنظمة العلمانية، والذي تحرك ضدها في الميادين والشوارع، ولترفع له راية تثبت مكانه، ولتعلي له صوتا يعبر عنه. فليس كل مؤهل للتضحية مؤهل لتحصيل أهداف التضحية، ومن سيكتفي بالدعم لن يصنع قرارا، وإذا لم تأخذ لأهدافك أسبابها فلا تنتظر أن يحققها لك غيرك.
من العلماء والشيوخ الذين ترجع إليهم الجبهة ؟
هناك تنبيهان مهمان قبل الإجابة عن هذا السؤال، أحدهما شرعي ، والآخر واقعي :
إن كل علماء أمتنا محل تقدير وانتفاع، فلا نستجيز مخالفة إجماعهم، ونختار من أقوالهم ما ترجح عندنا بالدليل الشرعي، دون تقيد بواحد نأخذ كل أقواله، وندع كل أقوال غيره، فهذه المنزلة ليست إلا للنبي – صلى الله عليه وسلم – .
التنبيه الشرعي : إن مصطلح (العالم) من الألفاظ التي بحثت شروطه في فن (أصول الفقه) عند الكلام عن (الاجتهاد والتقليد) وهي شروط لا تجتمع في أكثر المتصدرين للمشهد الدعوي. ومن اجتمعت فيه الشروط في فن أو باب – على القول الراجح بتجزؤ الاجتهاد – لا يجوز أن يعامل كعالم في غيره من الفنون أو الأبواب، كما لا يخفى.
التنبيه الواقعي : إن التيار السلفي المعاصر قد اشتهر بقضية الاتباع، وهي ترجيح من يصلح ترجيحهم من أصحاب الأهلية الناقصة لقول بعض أهل العلم على بعض، بالأدلة المعتبرة شرعا. وكان ذلك رفضا للتقيد بتقليد أحد مذاهب الفقهاء الكبار، مهما ظهرت الحجة مع من خالفه من أهل المذاهب الأخرى. ثم دارت الأيام، وظهر الغلو في المتأخرين، بل وفيمن لم يصلوا لرتبة الاجتهاد، فصار تقليد بعض هؤلاء – على اختلافهم في تعيين من يقلدون – هو الدين بل هو العلم. فكيف رفضوا تقليد من يجوز تقليده، ثم طلبوا تقليد من هو دونه بمراحل ممن لم تكتمل أهليته في أحسن الأحوال ؟! وكيف يحاكمون أقوال مثل الشافعي وأحمد إلى الأدلة، ثم يجعلون قول من هو دونهما حكما على الأدلة والاجتهادات ؟!
وبناء على ما سبق، نجيب عن سؤالنا في النقاط التالية :
- إن الحَكَم علينا وعلى غيرنا هو الوحي المعصوم لا غير، وهو الذي يجب اتباعه، ولا تجوز مخالفته.
- إن كل علماء أمتنا محل تقدير وانتفاع، فلا نستجيز مخالفة إجماعهم، ونختار من أقوالهم ما ترجح عندنا بالدليل الشرعي، دون تقيد بواحد نأخذ كل أقواله، وندع كل أقوال غيره، فهذه المنزلة ليست إلا للنبي – صلى الله عليه وسلم – .
- هناك شيوخ في واقعنا المصري، قد انتفعنا بهم ووافقناهم أكثر من غيرهم، وإن لم نلزم كل أقوال واحد منهم بعينه، ولم يلزمنا أحدهم بذلك. أشهرهم الشيخ رفاعي سرور – رحمه الله – والشيخ حازم أبوإسماعيل – فك الله أسره – والشيخ د.محمد عبدالمقصود – حفظه الله – والشيخ د.هشام عقدة – حفظه الله – .
- في الجبهة لجنة علمية، قوامها عدد من الشيوخ المتخصصين، وهم معنيون بمراجعة المواقف وإصدار الفتاوى، استنادا إلى أدلة الشرع في ضوء اجتهادات العلماء المعتبرين، وأثر ذلك بيّن على خياراتنا بحمد الله.
- ثم باب التواصل والتناصح مفتوح مع أهل العلم والفضل، قبل أيّ خيار وبعده، فالرجوع إلى الحق فضيلة، والحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها.
ما علاقة الجبهة السلفية بجماعة الإخوان المسلمين ؟
إن الجبهة السلفية جزء من التيار السلفي في الحركة الإسلامية، وهي متأخرة في نشأتها عن جماعة الإخوان، وبالتالي فنحن كيان مغاير لكيان الإخوان، وإلا لكنا قد انتمينا لهم.
يجمعنا مع الإخوان مشترك من أصل الانتساب إلى الإسلام ومجمل السنة، وعدد من قضايا أمتنا الكبرى في الواقع المعاصر.
يجمعنا مع الإخوان مشترك من أصل الانتساب إلى الإسلام ومجمل السنة، وعدد من قضايا أمتنا الكبرى في الواقع المعاصر.
ولنا عليهم تحفظات في أجزاء مهمة، من منهج البناء ومنهج التغيير،أدت لمغايرتنا لهم في منطلقات ومواقف متعددة. ترجع إلى الضبط الشرعي من ناحية، وإلى إدارة الحركة برؤية تغييرية – لا مجرد إصلاحية – من ناحية أخرى.
فنحن ننصح لهم بمقتضى الأخوة الإيمانية، ونتعاون معهم في المشترك بيننا، وندعمهم ضد كل من كانوا هم أولى بالحق والشرع منه.
مع محافظتنا على خياراتنا التي نختص بها دونهم، وكياننا الذي نطمح أن يسد ثغرا قد لا يسده غيره.
ما علاقة الجبهة السلفية بالدعوة السلفية ؟
نذكر أولا بما سبق في إجابة [ س 1 ] عن التيار السلفي، ثم نؤكد على ما يلي :
عندما تفجرت ثورة يناير، انخرطت فيها الجبهة مع كثير من تيارنا السلفي المشابه. بينما اتخذت الدعوة موقفا مضادا، فلم تكتف بعدم المشاركة، بل أصدرت البيانات المانعة من المشاركة، وعقدت اللقاءات التي تجمع الشباب في أوقات المظاهرات لتمنعهم من المشاركة
أولا : الدعوة السلفية فئة بينها نوع ارتباط، نشأت داخل عموم التيار السلفي. فالتيار سابق لوجودها ابتداء، وشامل لها ولغيرها انتهاء. ولا عكس.
ثانيا : إن الدعوة تنظيم محدود، داخل تيار كبير. لكن لغلبة الفردية على عموم التيار، اكتسبوا باجتماعهم نوع قيمة مركزية فيه، خاصة في بعض المحافظات. فهم لا يحتكرون تمثيله.
ثالثا : التشكيل الأول الذي أسس الجبهة السلفية، لم يكن يوما ما منخرطا في تنظيم الدعوة السلفية. فليست الجبهة انشقاقا عن الدعوة، لكنها كيان مستقل نشأ في التيار السلفي أيضا.
رابعا : هناك مشترك سلفي صحيح وعام، يجمع بين الجبهة والدعوة وغيرها من جمهور التيار السلفي، وإن كنا نُعد من حيث الانتفاع والخيارات والمواقف أقرب إلى ما أطلق عليه “سلفية القاهرة” مقابل “سلفية الإسكندرية” التي تبرز فيها الدعوة السلفية.
خامسا : وبيننا تفاوتات كثيرة، على المستويات التربوية والعلمية والفكرية والحركية. تجلت في المحطات التالية -على سبيل الاختصار، منذ الثورة وحتى الآن- :
- عندما تفجرت ثورة يناير، انخرطت فيها الجبهة مع كثير من تيارنا السلفي المشابه. بينما اتخذت الدعوة موقفا مضادا، فلم تكتف بعدم المشاركة، بل أصدرت البيانات المانعة من المشاركة، وعقدت اللقاءات التي تجمع الشباب في أوقات المظاهرات لتمنعهم من المشاركة، ولم ينزل شبابها إلا لحماية مجرمي أمن الدولة من غضبة الثوار عند اقتحام مقار ظلمهم.
- بعد تنحي المخلوع، استمرت الجبهة في الفعاليات الثورية، طلبا لتحقيق أهداف الثورة وحراستها. بينما تماهت الدعوة مع المجلس العسكري، وصبت اتهاماتها على الثوار.
- عند إعلان الشيخ حازم أبوإسماعيل ترشحه للرئاسة، رافعا لواء الشريعة الإسلامية، انحازت له الجبهة ودعمته في مختلف المحافظات والفعاليات. لكن الدعوة اتخذت موقفا آخر، إذ طلبت من الإخوان ترشيح م.خيرت الشاطر للرئاسة مع الوعد بدعمه أمام الشيخ حازم.
- بعد استبعاد الشيخ حازم من سباق الرئاسة، انحازت الجبهة إلى د.محمد مرسي ، باعتباره الأقرب إلى قضية الشريعة من بين المرشحين الذين يمكن فوزهم. إلا أن الدعوة تركت الإخوان بعد استبعاد الشيخ حازم وأعلنوا دعمهم للدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح، الأكثر ليبرالية والأبعد عن المفهوم السلفي.
- في فترة رئاسة د.محمد مرسي ، عارضت الجبهة كثيرا من القرارات والممارسات للإخوان، مع المحافظة على الولاء الإيماني. فظللنا دائما في الصف الإسلامي المقابل لخصوم الشريعة، وحرصنا على ألا يتخذ نقدنا البنّاء ذريعة لسلوك هدّام لا يربح من ورائه إلا العلمانيون واليساريون ومن والاهم. بخلاف الدعوة، التي انحاز حزبها إلى جبهة الإنقاذ، ذات المكونات المتفاوتة وغير المتفقة، إلا على خصومة الشريعة وأهلها.
- عند الانقلاب، انضمت الجبهة إلى التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب، وشاركت في اعتصامي رابعة النهضة، وفي كل الفعاليات الثورية المناهضة للانقلاب. بينما كانت الدعوة السلفية عبر حزبها السياسي ( النور ) أحد مكونات الانقلاب، مع قادة العسكر وشيخ الأزهر – من لجنة سياسات مبارك – وبابا الكنيسة وقادة العصابات العلمانية واليسارية.
وبناء على ماسبق، يظهر التفاوت الهائل بين كل من الجبهة السلفية والدعوة السلفية، والذي لم يمكن لاسم السلفية المشترك بينهما أن يقلل منه. علما بأن ما سبق إنما هو غيض من فيض، لكنه يفي بالمراد هنا.
ما علاقة الجبهة السلفية بالتيار القطبي ؟
لا يفوتنا في بداية الإجابة عن هذا السؤال، التنبيه على أن اصطلاح “القطبية” يطلق ويراد به أحد معنيين :
لا شك في اعتبارنا مع كثيرين في الحركة الإسلامية جزءا من التيار القطبي. وهذا شرف لا ننكره، كما اننا لا نحتكره، إذ أن جما غفيرا من الحركة الإسلامية المعاصرة عيال على الشيخ سيد قطب – رحمه الله – بهذا المعنى
أولهما : وهو الأعم، يراد به من تتلمذوا على كتابات الشيخ سيد قطب – رحمه الله – ، فانحازوا لقضية تحكيم الشريعة كجزء محكم من عقيدة التوحيد، وكمحور صراع مع العلمانية المعاصرة، وتبنوا التربية الإيمانية والحركة التغييرية تجاه الواقع المعاصر.
ثانيهما : وهو الأخص، يراد به تلك الجماعة التي ارتبطت مبكرا بالشيخ، ودخلوا معه السجن في قضية سنة 1965م. والتي أعدم فيها الشيخ – رحمه الله وتقبله في الشهداء – . ثم صار من أعلامها الشيخ عبدالمجيد الشاذلي – رحمه الله – صاحب كتاب “حد الإسلام وبيان الإيمان” .
فبالمعنى الأول، لا شك في اعتبارنا مع كثيرين في الحركة الإسلامية جزءا من التيار القطبي. وهذا شرف لا ننكره، كما اننا لا نحتكره، إذ أن جما غفيرا من الحركة الإسلامية المعاصرة عيال على الشيخ سيد قطب – رحمه الله – بهذا المعنى.
أما بالمعنى الثاني، وهو قائم على شقين : أحدهما : علمي، فيشمل تبني خيارات معينة اشتهر بها هذا الفصيل، كقضية عدم العذر بالجهل في أصل الدين (وهو مختص عندهم بالتوحيد العملي، وبالجهل الكسبي لا القدري – أي : مع إمكان التعلم -) . والآخر : عملي، ويتمثل في الارتباط العضوي بالكيان تربويا وعلميا وعمليا. فبهذا المعنى الثاني – بشقيه – لسنا جزءا من هذا التيار الخاص.
علما بأن التيار القطبي – بالمعنى الثاني – قد أعلن عن كيانه بعد ثورة يناير باسم “دعوة أهل السنة والجماعة” فيمكن لمن أراد الاستزادة في التعرف عليهم، مراجعة موقعهم الإلكتروني المعبر عنهم.
ما علاقة الجبهة السلفية بالتيار الجهادي ؟
هناك جملة من المقدمات التي يحسن تقريرها في مطلع الإجابة عن هذا السؤال :
نرى أنه حتى ينجح الجهاد ويؤدي ثمرته، لا بد أن يكون خيار أمة، لا خيار فئة محيّزة من الأمة، ليكون له المشروعية التامة، والغطاء والمدد الكافيين، ليستمر ويؤثر بالإيجاب على الواقع
أولها : التيار الجهادي عبر تاريخه، كان فكرا أكثر من كونه تنظيما. فليس هناك تنظيم واحد معيّن للجهاديين، لا في أصل النشأة، ولا في الامتدادات التالية.
ثانيها : جمهور التيار الجهادي منذ نشأته كان سلفيا على مستوى التأصيل، غير أنه انحاز إلى خيار التغيير المسلح ضد طغيان الحكومات العلمانية المعادية للشريعة.
ثالثها : تاريخيا، كان للتيار الجهادي دور رائد في نشر العقيدة السلفية، وفي مواجهة الفكر التكفيري المنحرف.
رابعها : انحاز التيار الجهادي إلى عموم الأمة، واستبسل في الدفاع عنها ضد أعدائها، فكان له جهده المشكور عبر العالم، كما في أفغانستان والبوسنة وغيرهما.
والجبهة السلفية باعتبارها كيانا سلفيا ثوريا، تتلاقى مع التيار الجهادي في أكثر من مشترك، لكنها تختلف عنه في أشياء، أهمها :
أولا : ليست الجبهة ذات علاقة عضوية بأيّ من التنظيمات الجهادية.
ثانيا : لا ترى الجبهة انحصار سبل التغيير في الجهاد المسلح، خاصة داخل بلاد المسلمين.
ثالثا : نرى أنه حتى ينجح الجهاد ويؤدي ثمرته، لا بد أن يكون خيار أمة، لا خيار فئة محيّزة من الأمة، ليكون له المشروعية التامة، والغطاء والمدد الكافيين، ليستمر ويؤثر بالإيجاب على الواقع.
رابعا : منذ ثورة يناير، وحتى الثورة ضد انقلاب 3 يوليو ، تختار الجبهة طريق الفعاليات الشعبية السلمية، والتي تناسب الحراك الجماهيري، وتحميه من الاستئصال، مع تصعيد الضغط على الانقلابيين في نفس الوقت.
خامسا : لنا ملحوظات عديدة على المستويين الشرعي والسياسي، بالنسبة للخطاب الجهادي الذي شاع مؤخرا، من خلال شبكة المعلومات العنكبوتية، تحت اسم “السلفية الجهادية”.
وفي الختام، فإن أجواء الأمن والحرية، هي أفضل الأجواء للمناصحة والتقارب، لتجميع طاقات الأمة لنصرة قضاياها الكبرى، وتقليل الأثر السلبي للاختلاف بين فئاتها.
هل الجبهة السلفية تنظيم جديد أم تيار داخل السلفية ؟
ليست الجبهة السلفية تنظيما جديدا، فهي لا تفرض على العاملين من خلالها رأيا واحدا، ولا تلزمهم بعمل ما قد لا يقتنعون به، على النحو المعهود في سائر التنظيمات.
فشكل التيار هو شكل واسع ومرتب في نفس الوقت، يتيح لنا أن نبني على رصيدنا السلفي الموجود، لنرفع صوتنا برسالتنا، ولنتحرك بقوة نحو أهدافنا
لكنها تيار متميز داخل الساحة السلفية، يتسع لكل فرد أو مجموعة تتوافق مع طرحها العام، من أجل دعم الخيارات المشتركة، وتقريب الآراء المتنوعة، وتنسيق الجهود المبعثرة، والارتقاء بمستوى العمل الإسلامي السلفي.
ونحن في هذا نراعي ظروف النشأة السلفية المعاصرة، ونحاول استثمار المشترك الذي يتجاوز [ الـ 95% ] بين قطاعاتنا السلفية، الرافضة لشرعية الأنظمة العلمانية، والتي تتحرك لتحكيم الشريعة واستعادة الخلافة. مع التسامح في [ الـ 5% ] من الاختلاف السائغ شرعا والموجود واقعا بين إخواننا. وذلك من خلال شكل التيار. لا شكل الجماعة، الذي كلما أراد البعض تحقيقه انصرف جهده لمحاولة إنهاء قضايا الخلاف [ الـ 5% ] فتكون النتيجة مزيدا من الفرقة في الرأي، والانقسام في العمل.
لكن ذلك يتم من خلال إدارة تشاورية، يكون اختيار الأغلبية فيها هو الرأي الرسمي للجبهة، مع قبول وجود آراء أخري للبعض. ولا يلزم المخالفون للرأي الرسمي بالعمل به، إنما يلزمون بعدم مهاجمته فقط. ولا يلزم بإعلان الموقف الرسمي إلا من تم اختيارهم لذلك، كالمتحدث الرسمي وأعضاء اللجنتين السياسية والإعلامية، كمعبرين عن الاختيارات الرسمية.
فشكل التيار هو شكل واسع ومرتب في نفس الوقت، يتيح لنا أن نبني على رصيدنا السلفي الموجود، لنرفع صوتنا برسالتنا، ولنتحرك بقوة نحو أهدافنا.
مع التأكيد على أن الأشكال ما هي إلا وسائل، تقوم على اعتبار الشرع، وتتطور مع الخبرة الإنسانية، وتتناسب مع الأهداف المطلوبة والظروف المحيطة.
ما رؤية الجبهة السلفية للعمل السياسي ؟
إذا أردنا بالسياسة ما يرتب الأولويات، ويفاضل بين الخيارات، ويحسن استثمار الأعمال والأحوال لصالح الأهداف، ويراعي الواقع في الخطاب والممارسة، ويدير العلاقات والصراعات مع مختلف الأطراف .. فلا غنى لنا عن هذا العمل السياسي.
الخلاف واقع وسائغ في تأصيل هذه المشاركة (من حيث المبدأ) أو في تقدير مصلحتها (الراجحة أو المرجوحة) في الظرف المعين. فلا إنكار في مواضع الاجتهاد، وهي مواضع الخلاف المعتبر شرعا
بل إن الفراغ السياسي في العمل الإسلامي، له أثر سلبي على الحق الذي نحمله، والتضحيات التي نقدمها. فالمسافة بين منطلق العقيدة (الحق) والبذل في الممارسة (التضحية) عندما لم تملأها رؤية وإدارة مناسبة (سياسة شرعية) أدى ذلك إلى عدم التناسب بين ما قدمنا (من حق وتضحية) وبين ما حصلنا عليه (من نتائج وأهداف) .
وإذا أردنا بالسياسة الدخول في المنظومة السياسية للدولة العلمانية، فهذه تنقسم إلى شقين:
الشق الأول : ما لا إشكال فيه، كإثبات المواقف والآراء في الشأن الداخلي أو الخارجي، وكممارسة الفعاليات الشعبية المعبرة عن خياراتنا، وكالمنافسة في غير السلطتين التشريعية (البرلمان) والتنفيذية (الحكومة) من اتحادات ونقابات ومجالس للأحياء ونحوها.
الشق الثاني : ما فيه الإشكال، وهو المنافسة والمشاركة في أي من السلطتين التشريعية (البرلمان) والتنفيذية (الحكومة) من خلال أحزاب (مشهرة رسميا)عندما لا يكون ذلك تحت مظلة سيادة الشريعة. بل يكون على سبيل المنازعة لتحقيق سيادة الشرع، أو للتهيئة لذلك.
وخلاصة رأينا في (الشق الثاني المُشكل) ما يلي :
أولا : لا شك أن المنع من هذه المنافسة والمشاركة تحت مظلة العلمانية هو الأصل.
ثانيا : وبالتالي فالمشاركة في هذه الحال استثناء دعت إليه الحاجة، ويُعامَل وفق هذا الأساس. فيجب الحفاظ على خطابنا الداعي إلى سيادة الشريعة، بمقتضى تجريد التوحيد لله – تعالى – وتحقيق الانتساب لدين الإسلام.
ثالثا : الخلاف واقع وسائغ في تأصيل هذه المشاركة (من حيث المبدأ) أو في تقدير مصلحتها (الراجحة أو المرجوحة) في الظرف المعين. فلا إنكار في مواضع الاجتهاد، وهي مواضع الخلاف المعتبر شرعا.
رابعا : تضم الجبهة من يرجح المنع وفق الأصل، وتضم من يرجح الاستثناء بضوابطه الشرعية. ويعمل كل فيما يقبل ويختار، بغض النظر عن الرأي الرسمي للجبهة (والذي تنتجه الشورى) .
خامسا : أكثر الخسائر التي ترتبت على هذه المشاركة، لم تكن لازمة للمشاركة، بل كانت أخطاء في الخطاب والممارسة. مما يستدعي المراجعة والتصحيح، وليس الإلزام بعدم المشروعية.
سادسا : لا نميل إلا القول بأن النظم العلمانية ستنتج لنا نظاما إسلاميا صافيا، لكن هذا لا يمنع من أهمية الممارسة في حيز الممكن، على سبيل التهيئة والتقريب لإقامة الشريعة الإسلامية المنشودة.
ولا يفوتنا أن نحيل من يريد تحرير القول في المسألة، ومعرفة كلام أهل العلم فيها، إلى مظان ذلك من الأبحاث الشرعية المتخصصة، فالمسألة مما كاد أن يقتل بحثا.