وحدة القيادة ووحدة القرار.. الشام نموذجا

من المعلوم أنه كلما كانت القيادة موحدة، كلما توحدت القرارات، أو كانت على الأقل متناسقة ومتناغمة، بحيث يتحقق أثرها في الواقع بشكل أسرع، وبطريقة أفضل، لاسيما في الأزمات وتحت الضغوط الكبيرة، وفي الشئون ذات البعد الاستراتيجي والحركي.

النزعة الفصائلية والمناطقية في الواقع الشامي الآن ربما تكون معبرة عن تعدد القيادات –وربما تنازعها في أحيان– مما يؤدي بدوره لتعدد القرارت، أو تعدد الإدارات للأزمات، والتأخر الشديد في التعامل مع المواقف الطارئة، وعدم وجود استراتيجية ثابتة للحراك الثوري والجهادي المتواجد في سوريا ضد المليشيات الأسدية وحلفائها من الروس والميليشيات الشيعية المتعددة.

على الناحية الأخرى، ورغم تعدد الميليشيات والحلفاء، فإن هناك – على ما يبدو – قيادة واحدة للساحة، أو على الأقل تنسيقا كبيرا بين الحلفاء الصائلين، وإن كان هذا التنسيق تحت ظل احتلال روسي واضح المعالم، يتولى القيادة والتنسيق الأكبر مع الإيرانيين، ويأتي نظام الأسد -الذي يعد أضعف حلقات هذا التحالف- في الذيل.

وما يهمنا هنا هو رصد سريع لحالة تعدد القيادات بتعدد الفصائل، وما ينتج عن ذلك من تعدد للقرارات، وتعدد السلبيات العائدة – تبعا – على الساحة :

حلب وريفها:
على ثرى حلب المحاصرة المنكوبة تدورالمعارك الطاحنة حاليا لفك الحصار، وعلى الرغم من التحام عدة فصائل تحت راية جيش الفتح ، إلا أن الواضح وجود نقطة ضعف شديدة الخطورة، تؤثر على سير المعارك، واتجاهات النصر– من ناحية الأسباب الدنيوية – وعوامل النجاح، فهناك غياب للقيادة الموحدة، التي يتبعها تعدد للقرارات والاستراتيجيات في التعامل مع اتجاه المعارك، سواء من ناحية الهجوم أم الدفاع والانحياز .

ربما يقول قائل : إن هناك قيادة موحدة فعلا لجيش الفتح، ولكن الرد الواضح على الأرض وفي حركة الفصائل المشاركة، هو أن هناك تنسيقا بين الفصائل في القيادة، وليس توحيدا لتلك القيادة ، وأن هذا التنسيق ربما ليس على القدر اللازم أو الكافي لتحقيق سرعة التواصل وأخذ القرار المناسب في وقته، أو ليس على القدر الكافي لتحقيق التحرك المطلوب لمواجهة التحدي المتمثل في مواجهة تحالف مكون من عدة دول معادية، مع وجود قصف جوي أشد ما يكون عنفا، في ظل غياب أية دفاعات جوية لدى الفصائل المجاهدة.

نعم هناك قدر كبير من عدم التكافؤ في ميزان القوى على الأرض في ناحيتي العدد والعدة، ولابد من وضع هذه النقطة في الحسبان، ولكن التركيز منصب هنا على مناقشة نقطة تعدد القيادات، التي ينشأ عنها تعدد القرارات، أو تعدد الرؤى التي يترتب عليها التضاد وليس التكامل أو التناغم في الحركة.

كما يظهر للعيان الاختلاف الكبير في النظرة الشرعية والواقعية لما يحدث في الريف الشمالي لحلب، وما ترتب عليها من تشرذم وبعثرة للجهود، ما بين مؤيد للمشاركة في عمليات درع الفرات ومناهض لها، مما ترتب عليه سحب بعض الفصائل لأعداد من عناصرها في معركة فك الحصار الأولى عن مدينة حلب، وإشراك تلك العناصر في درع الفرات، في ظل رفض فصائل أخرى لذلك، مما أضعف جبهة فك الحصار، وتمكن النظام وحلفائه –نتيجة لذلك– من استعادة المناطق المحررة حديثا في الريف الجنوبي لحلب وإعادة حصار المدينة .

إدلب وريفها:
على الرغم من وجود قيادة متمثلة في جيش الفتح -ظاهرا- تدير تلك المدينة وريفها المحرر، إلا أن هناك فعليا –على ما يبدو- تعددا للقيادات والقرارات، نتج عنه غياب كبير لعنصر الأمن، مما مكن الخلايا التابعة للنظام، وبعض خلايا تابعة لتنظيم البغدادي المتطرف من تنفيذ عمليات اغتيال لقيادات وعناصر فصائلية، ناهيك عن تعدد الرؤى للإدارة المدنية للمناطق المحررة، والتي نتج عنها ما يشبه ” تنازعا باردا ” بين عدة فصائل في إدارة تلك المناطق، مع تعدد السلبيات -العائدة على المدنيين- في تلك المناطق.

في الفوعة وكفريا: هناك ظاهرة جلية للمراقبين، وهي الاختلافات الكبيرة في الرؤى لحال هاتين القريتين الشيعيتين المحاصرتين حصارا كاملا في ريف إدلب، حيث تعددت ما بين المعاملة بمثل ما يفعل النظام في المناطق السنية المحاصرة من اقتحام وتهجير، وما بين الرؤية بالاستكفاء بالمحاصرة لتبقى ورقة ضغط مقابل مناطق أهل السنة المحاصرة، مثل الزبداني ومضايا وغيرهما، مع ما يترتب على ذلك من إدخال المساعدات لأهل تلك المناطق المحاصرة بين الفينة والأخرى، مع ضمان عدم اقتحامها وتهجير أهلها.

ولكن برزت سلبية خطيرة – ومتوقعة – في ذلك التعامل، وهي عدم التزام النظام بالهدنة، وإسقاطه المساعدات جويا، وليست تلك هي لب القضية، ولكن الجديد هو تسلل عناصر شيعية من هاتين القريتين وتنفيذ عمليات اغتيال لبعض العناصر المرابطة على تخوم القريتين، والتمكن من العودة ! وفي ظل ذلك يغيب وجود قرار ظاهر أو معلن للتعامل مع مثل تلك التحديات التي ربما تعود بالسلب على المناطق السنية المحاصرة المعنية بتلك الهدنة الهزيلة.

في الجنوب: 

 ما دار بين الفصائل من تنازع مسلح على مدار أكثر من عام ، لاسيما بين جيش الإسلام من جهة، وفيلق الرحمن من جهة أخرى، لم يخف أثره في الساحة، والتي استغلها النظام الأسدي لصالحه، حيث أعاد سيطرته على مساحة واسعة من ريف دمشق، وكون سياجا جديدا حاميا له في هذه المنطقة، ولم ينتج ذلك عن تعدد القيادات للفصائل فحسب، بل نتج عن تنازع القيادات، وتناحر الفصائل، وانشغالها في نزاعات مسلحة فيما بينها عن جهاد العدو الصائل، مما مكن هذا العدو من إعادة احتلال المحرر مرة أخرى، وتعاليه بمسألة ” الباصات الخضر”، تلك الظاهرة التي أصبحت ملازمة للمناطق المحاصرة، التي تتأخر الفصائل عن نصرتها بسبب تعدد القيادات وتعارض القرارت.

نعم عاد الهدوء، وحدث الاتفاق بين الفصائل على وقف القتال، ولكن تبقى هناك قضايا معلقة، مع وجود دماء، كما الحال في عدة نزاعات في مناطق أخرى، ووجود بعض الإحن في النفوس، والتي تمثل عقبة في طريق التلاحم والاندماج بين الفصائل .

هناك تدافع حقيقي، وجهاد كبير تقوم به العديد من الفصائل السورية، ولكن سنة الله في التفرق غالبة، والغلبة مع الاعتصام والتقوى والأخذ بالأسباب لازمة.

وإن مما يدمي القلب السماع بين الفينة والأخرى خبرا باستنفار فصيل ضد آخر، وما يتبع ذلك من إراقة للدماء المعصومة، وخسارة للطاقات والأوقات في نزاع جانبي، مع فساد ذات البين، وتأخير استجلاب النصر من عند الله العزيز القهار.


التعليقات