المخاوف التي ظهرت بشدة بعد اقتناص ترامب للفرصة الذهبية وفوزه برئاسة أمريكا ، ليست هينة فهي مخاوف حقيقية وكبيرة إزاء هذا الزلزال الذي ضرب كل قواعد المنطق – بالنسبة لهؤلاء المتخوفين- فأسوأ كابوس بالنسبة لهم كان هو ترشحه، وقد قابلوه بالتندر والتهكم، وتهاونوا بالخصم ” التاجر” الذي استطاع بحساباته التجارية، وخبرته الإعلامية أن يقنع أكثر من 55 مليون ناخب في ولايات تشكل أغلبية مقاعد المجمع الانتخابي اللازمة لفوزه بمنصب الرئيس، بل اكتسح المجمع اكتساحا .
داخل أمريكا
– الديمقراطيون أشد ما يكونون قلقا، فقد خسروا الرئاسة وخسروا الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ ليكون الحكم جمهوريا خالصا خلال السنتين القادمتين على الأقل.
– كاليفورنيا ذات التسعة والثلاثين مليون نسمة بالأعداد الكبيرة لذوي الأصول اللاتينية، والمركز السادس على مستوى الاقتصاد عالميا بميزانية 2.46 تريليون دولار متفوقين على فرنسا وإيطاليا ، تعيش في قلق بالغ، ووصل الحال بأهلها إلى الخروج بمظاهرات حاشدة ، ورفع نداء الانفصال عن الاتحاد بقوة ، وطالبوا بـ ” CalExit ” على غرار الـ ” BreExit ” البريطاني من الاتحاد الأوربي.
وسار الكاليفورنيين خطوة للأمام بتدشين موقع إلكتروني لطلبهم، طارحين فيه الكتاب الأزرق ” Yes California’s – Calexit blue book ” صاحب البدء بكلمة ” جمهورية كاليفورنيا ” مبرزا لشعار الجمهورية الجديد، والمعنون فرعيا بـ ” إجابات على تساؤلاتك حول الاستقلال ، افهم لماذا يجب أن تصوت بنعم لخروج كاليفورنيا من الاتحاد “.
وناقشوا في الكتاب إيجابيات الانفصال عن الولايات المتحدة، مقللين من الآثار السلبية لهذا الانفصال – برأيهم -، ذاكرين ما تتمتع به كاليفورنيا من موارد وإمكانات هائلة، وهاجموا سحب جزء كبير من تلك الإمكانات للولايات الأخرى سدا لحاجاتها مما ينعكس بالسلب على المواطن ” الكاليفورني “.
كما ناقش الكاليفورنيون مسائل التعليم والرعاية الصحية، وأماكن سفارات الدول الأجنبية المتوقع إنشاؤها في “جمهورية كاليفورنيا”، وانضمامهم للمحكمة الجنائية الدولية ولمنظمة الأمم المتحدة، وناقشوا مسألة الأمن والمياه والزراعة، والبنية التحتية ومسألة العلاقات الدولية ودول الجوار، وهل من المتوقع وجود عداءات معها أم لا.
وقالوا إنهم لن يرثوا العداءات المتجذرة مع الولايات المتحدة، بل سيبتعدون عنها مما يتيح لهم نهضة مادية أفضل، لاسيما في ظل تقليل نفقات التسليح بعد الانفصال، التي تخيلوا بأنها لن تكون أعلى من 17 مليار دولار أمريكي ( متوسط الإنفاق العسكري عالميا ) مقارنة بالولايات المتحدة التي ينتقدون ميزانية الدفاع فيها بشدة، معتبرين أنها مبالغ فيها بشكل كبير مما يؤثر سلبا على الإنفاق على المجالات الأخرى كالتعليم والرعاية الصحية وغيرهما. بل وصلوا لمناقشة وجود فريق أوليمبي يمثل كاليفورنيا في الألعاب الأوليمبية بشعار ” الدولة الكاليفورنية ” .
– الأمريكيون الذين لم ينتخبوه: الذين خرجوا في مظاهرات حاشدة – ربما تكون مؤقتة برأيي – رفضا لترامب رافعين لافتات ” لست رئيسي” ، وبطبيعة الحال منهم كثيرمن ذوي الأصول الأفريقية وذوي الأصول اللاتينية، والبيض الرافضين لشخصه وممارساته وفضائحه، حتى وصل الأمر للاعتداء على بعض الأشخاص المنتخبين لترامب في الطرقات العامة، وهو منحى غير معهود في الانتخابات الأمريكية.
– المسلمون في أمريكا: المهددون بعنصريته، والمتخوفون من ممارسات محتملة أكثر عنصرية وكراهية، حتى أطلقت منظمة “مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية – كير ” مؤتمرا صحفيا وجهت فيه رسالة لترامب تطالبه باحترام حقوق كافة الأمريكيين بما فيهم المسلمون !
خارج أمريكا
– الناتو: في حالة قلق كبير حتى اعتبر السكرتير العام لحلف الناتو ينس ستولتينبيرغ فوز ترامب بالرئاسة أكبر تحد يواجه وحدة الناتو، لاسيما بعد تصريحات ترامب المنتقدة للناتو بشدة أثناء حملته الانتخابية ، بل أرجأ الناتو اجتماعه الذي كان مزمعا إقامته في يناير القادم إلى صيف 2017 !
– دول عربية: على رأسها السعودية المهددة بـ ” جاستا ” الذي زاد وتيرة التهديد وجديته خطاب ترامب المتوعد لها ولبقية دول الخليج بإرغامها على دفع فواتير الدفاع عنهم بأثر رجعي ! وكأنهم لم ينفقوا التريليونات على حرب الخليج ، وغزو العراق بعد ذلك، وتمويل انقلاب السيسي بإيعاز أميركي !
ويظل الكيان الصهيوني هو الوحيد غير الخائف من فوز ترامب ، ولا حتى من كلينتون -لو فازت بالرئاسة- ، لكن لترامب نكهة خاصة، فهو صاحب الخطاب الغزلي لإسرائيل واليهود أمام الأيباك ” AIPAC ” ، التي لم يسبقه إليها مرشح رئاسي أو رئيس أمريكي منتخب، ولم يتوقف الأمر عند ترامب، بل خرج نائبه مايك بنس بوصلة غزل غير عفيف وغير مسبوق للكيان الصهيوني، زاعما بأنها محاطة بكارهين لتقدمها ودفاعها عن الحريات والحقوق!…إلى آخر تلك الوصلة الغزلية غير المسبوقة ، لكنها مبررة لأنه صاحب عقيدة تؤمن بالأحقية المطلقة لليهود في الأرض المقدسة.
ووعد ترامب ونائبه بجعل القدس “أورشليم ” هي العاصمة الموحدة والأبدية لدولة ” يهودية إسرائيلية ” في فترة رئاسة ترامب، ليس مجرد وعد انتخابي، فهو وعد يميني عقدي ، يطمئن له الكيان الصهيوني اطمئنانا بالغا، وما يزيد هذا الاطمئنان هو اتجاه بل وتصريح ترامب ونائبه إلى الانحياز التام للكيان – زيادة عما كان من الديمقراطيين – في كل مواقفه .
والحقيقة أن مواقف أمريكا – ديمقراطيين أو جمهوريين – لم تكن يوما لصالح أحد غيرها كما هي لصالح الكيان الصهيوني ، ولكن اختلافات يسيرة بين الفريقين في إدراة بعض الملفات هي التي تدفع الكيان الصهيوني للاطمئنان أكثر لمعسكر ” ترامب – بنس” ، لاسيما مع المتغيرات الإقليمية في الشام حاليا ومستقبلا .
وموقف أمريكا لم يكن يوما لصالح المسلمين، بل المعاداة أشد ما تكون وضوحا في العقود الأخيرة، من غزو لأفغانستان ثم العراق وتدميره، ثم تسليمه للشيعة.. يعبثون به وبمقدراته، ثم الاغتيالات المستمرة لقادة الفصائل المجاهدة في سوريا، مع الدعم – غير المباشر – لنظام بشار المجرم ، ودعم الانقلابات العسكرية والثورات المضادة في مصر واليمن وليبيا، وفوق كل ذلك مساعدة الكيان الصهيوني المستمرة ودعمه في مواجهة المقاومة الفلسطينية، وفي التهام الأرض المقدسة بالاستيطان اليهودي واغتصاب أراضي المسلمين وممتلكاتهم في فلسطين .
التعليقات