الرئيس مرسي.. مُعيقُ الالتفاف ومُفَرِّق الاصطفاف

لا يخالف أحد حاليًا من أبناء يناير أن عملية الالتفاف على ثورتهم قد بدأت يوم 11 فبراير 2011

حيث كان قرار تنحي مبارك فرصة لتهدئة الشارع الثائر، خوفا من تحول الحراك الشعبي إلى ثورة شاملة على كل أركان النظام الفاسد (ومنه الجيش).

ورغم إقرار الجميع بخطأ قرار العودة إلى البيوت بعد إعلان التنحي، إلا أنه كان من الصعب استمرار الحراك بنفس القوة التي وصل إليها يوم 11 فبراير.

وبدأ المجلس العسكري منذ هذه اللحظة محاولات متكررة لإجهاض الثورة والعودة بها إلى الوراء، ولولا فضل الله عز وجل ثم يقظة رجل مثل حازم أبو إسماعيل وغيره لكتبنا نهاية ثورة يناير في نفس العام الذي وُلِدَت فيه.

وشاء الله سبحانه أن تكون المدافعة الجماهيرية عن الثورة قوية لدرجة أجبرت الجيش على إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية حُرّة لأول مرة في تاريخ مصر.

ورغم الأموال الضخمة التي تم إنفاقها، والقنوات الكثيرة التي تم توجيهها من أجل إسقاط الحركة الإسلامية أو إضعافها.. تمكنت الحركة من تصدر المشهد دستورا وبرلمانا ورئاسة.

وكانت المعركة الأخيرة بين د. محمد مرسي وشفيق خير شاهد على تكاتف المجلس العسكري وكل أركان الدولة العميقة ضد الثورة، كما كانت خير دليل على انتماء د. مرسي وكل أبناء الحركة الإسلامية (وليس منهم برهامي وأتباعه) للثورة.

وبدأ الدكتور محمد مرسي معركته مع الثورة المضادة بالتصعيد حينا وبالتهدئة حينا، حتى تمكن من تحقيق انتصارات متعددة مثل إبعاد طنطاوي وعنان، والتخلص من نائب عام مبارك، وتحصين لجنة وضع الدستور حتى تم إنجازه وإقراره.

ورغم تأخر الدكتور مرسي في إنجاز بعض الملفات المهمة في صالح الثورة، إلا أن أعداء الثورة قد أيقنوا -بل- واعترفوا بأن الصبر عليه حتى موعد الانتخابات الرئاسية القادمة لا يعني إلا استمراره في السلطة بسبب الإنجازات والإصلاحات المتتابعة داخليا وخارجيا.
ومن أراد التفصيل في ذلك فليرجع إلى التقرير الذي نشرته الجزيرة نت بتاريخ 27 / 6 / 2013 تحت عنوان (إنجازات مرسي في عامه الأول)
وأضيف لهذا التقرير حالة الشعور العام عند كل المصريين بأن البلد ومقدراتها أصبحت ملكا للشعب، وأن كل من في السلطة موظفون عند الشعب، وأن الحكومة برئيسها ووزرائها خادمة للشعب (وما باسم عودة إلا مثال)
كما ظهرت مصر كدولة قوية في المنطقة قادرة على رعاية مصالحها -بل- وحماية جيرانها عندما وقفت بجوار حماس والشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان الصهيوني على غزة أواخر عام 2012 (أي قبل مرور 6 أشهر على رئاسة د. مرسي)

كل هذا في ظل اضطرابات ممنهجة ومعوقات مفتعلة وحملات تشويه إعلامية لم تتوقف لحظة منذ توليه الحكم، فكيف لو استقرت الأمور وتحولت مؤسسات الدولة من موقف العداء للرئيس والحكومة إلى موقف الظهير والنصير؟

فكان قرار إنهاء حكمه بانقلاب عسكري.
وكان قرار الرئيس بالثبات أمام الانقلاب وعدم قبوله تحت أي مسمى أو وصف.

ومنذ هذا الحين والمبادرات (الحقيقية والوهمية) لم تغرب عن سماء الساحة السياسية المصرية، وكلها تقريبا تتفق على شيء واحد فقط (تنازل د. محمد مرسي عن منصب رئيس الجمهورية)

فمرة بدعوى تنازل الحسن لمعاوية حقنا للدماء.
ومرة بدعوى التعاطي المنطقي مع الواقع الذي تم تشكيله.
ومرة بدعوى توحيد الصف الثوري. “كذا زعموا”

وبما أن عامة أصحاب الادعاء الأول والثاني ليسوا من أنصار فكرة الثورة أصلا، فسأخصص نقاشي مع أصحاب دعوى (توحيد الصف الثوري) أو من يُسَمُّون أنفسهم (دعاة الاصطفاف)

ولن أناقش أصل فكرة الاصطفاف الوهمي الذي أقامه أصحابه على مبدأ تقريب البعيد والتودد إليه وإبعاد القريب وإقصاؤه!!
فقد ناقشتها في مقال سابق بعنوان (الاصطفاف الثوري بين خلل الرؤية وفساد الاستدلال)

ولكني سأركز على كون هذا الاصطفاف مرهونا بخروج الرئيس مرسي من أي أطروحة مستقبلية.

والأسئلة المتبادرة للذهن التي يتم توجيهها دائما لهؤلاء:-

1- من هم الذين يرفضون الاصطفاف إلا بشرط تنازل الرئيس مرسي عن منصبه؟ وما هي تعليلاتهم لهذا الشرط؟
2- هل من حق الرئيس مرسي أن يتنازل في وقت ليس فيه أدنى درجات الحرية؟
3- لمن سيتنازل د. مرسي (مدني أم عسكري، مُعَيّن أم مُنْتَخَب، ومَن سَيُعَيّن أو مَن سينتخب)؟؟؟
4- ماذا بعد تنازل د. مرسي؟ (بكل ما يحويه هذا السؤال من معانٍ).
وبمعنى أوضح: هل تم الاتفاق على كل شيء لإسقاط الانقلاب، وبقي فقط تنازل الرئيس هو العقبة الكؤود في سبيل تحقيق ذلك، أم أننا سننتقل من مرحلة الاصطفاف مع الثوار المدنيين لمرحلة الاصطفاف مع الثوار العسكريين، ونعود لشعار (الجيش والشعب إيد واحدة)؟ [والله مجرد سؤال يبحث عن جواب].

وهل سنسمي 3 / 7 / 2013 ثورة كما فعلنا مع انقلاب 52، ونعيش طيلة حياتنا أسرى ثورة يوليو المجيدة، ومن ثَمّ نظل عبيدا عند الجيش المصري العظيم؟

وعندما تم توجيه هذه الأسئلة لأحد الأفاضل المتزعمين فكرة تنازل الرئيس مرسي أو التنازل عنه.. رد بإشكال في صيغة سؤال: وكيف سَنُخْرِج الدكتور مرسي من محبسه؟
وساعتها شعرت بصدمة شديدة من سؤال أستاذ العلوم السياسية.
لأنه يعني أن مقتضى الاصطفاف هو أن يبقى الرئيس مرسي في السجن!!
ومن يفهم غير ذلك فليفهمني، عسى أن يكون ثَمَّةَ إشكال عندي.

دعوني أقول وبكل صراحة: إن أي اصطفاف تحت راية التنازل عن شرعية أول رئيس منتخب في مصر، هو اعتراف مقنع بشرعية انقلاب يوليو، بل بشرعية أي انقلاب في الماضي أو المستقبل.
وستكون أول ثماره نزع مصطلح الثورة عن أي حراك ضد سلطة العسكر، وسنكتفي بوصف (المعارضة) التي هي أصلا أحد أركان النظام القائم.

ولو أن أصحاب هذا الطرح يملكون الشجاعة الكافية لمواجهة الجماهير بآرائهم فليفعلوا، ولو أنهم يملكون أي مُسَوّغٍ لهذا الطرح غير انتماء د. مرسي للحركة الإسلامية، فليضعوا حازم أبو إسماعيل كبديل له، خاصة وأن عامة انتقاداتهم للدكتور مرسي تدور في فَلَكِ ضعف النّفَسِ الثوري عنده وعند جماعته.

والله من وراء القصد


التعليقات