كورونا.. أزمة يقين!

أظهرت مشكلة فيروس كورونا الحالية كم أن النخبة الإسلامية متأثرة بالثقافة الغربية المادية!! ففي حين نحتاج للتذكير بالمعاني الإيمانية التي تطمئن القلب وتسكن النفس وتحمي العبد من خاتمة السوء.. نجد إغراقًا غير متناهٍ في أمر الأخذ بالأسباب، حتى وصل إلى حد التمحور!!

والنتيجة التي تظهر حاليا لكل ذي عينين: هي أن الحديث عن التوكل والتعلق واليقين في الله صار ضربًا من الدروشة (إن لم يكن عبارة عن خزعبلات).

ولست هنا بحاجة إلى التأكيد على أن التوكل على الله لا يتنافى مع الأخذ بالأسباب المعتبرة في مدافعة المكروهات؛ لكن أصل المشكلة التي أقصدها هي الإغراق في الحديث عن الأسباب لدرجة تزيد من ضَعف اليقين (الذي هو حاصل بالفعل) عند أغلب المسلمين.

والنتيجة التي تظهر حاليا لكل ذي عينين: هي أن الحديث عن التوكل والتعلق واليقين في الله صار ضربًا من الدروشة (إن لم يكن عبارة عن خزعبلات).

تعالوا نتذكر مثلا حديث المرأة السوداء الشهير؛ فعن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنه: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ فقلت: بلى. قال: هذه المرأة السوداء أتت النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالت: إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي. قَالَ: “إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكَ” فَقَالَتْ: أَصْبِرُ. فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا. (والحديث في البخاري ومسلم)

ناهيك عن حديث: “مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ” أو حديث: “وَأَنْفِقْ فَسَنُنْفِقَ عَلَيْكَ، وَابْعَثْ جَيْشًا نَبْعَثْ خَمْسَةً مِثْلَهُ” وغير ذلك من النصوص التي ما عاد لها وجود في نصائحنا وتوجيهاتنا (إلا ما ندر) وكأننا لسنا بحاجة إليها!!

وهل يعني هذا أن من أحسن التوكل فهو في مأمن من الإصابة بالأمراض أو العدوى؟ أو أن المصابين مقدوح في توكلهم؟

الجواب: أبدًا؛ بل لا أعلم قائلا بذلك.

فرسول الله (خير من توكل على ربه) صلى الله عليه وسلم أكل من الشاة المسمومة التي أهدته إياها امرأة سلام بن مشكم اليهودية، وأصيب (بأبي هو وأمي) بسببها، حتى مات بعد سنوات وهو يتألم منها. بل قد مات بشر بن البراء بن معرور فور أكله منها.

نحن بحاجة شديدة إلى تعزيز اليقين في صدق وعد الله عز وجل، وتوجيه المسلمين إلى ما ينفعهم بين يدي خالقهم ورازقهم ومدبر أمورهم.

لكن الفكرة تكمن في موقف العبد الصحيح عند حلول المصائب (حتى لو أصابته) وأن يعلم على كل حال أنه عبد؛ مأمور بحسن التوكل كما هو مأمور بالصبر والاحتساب (مع قيامه بالأسباب) حتى تدركه المنية (حين تدركه) وهو على هذه الحالة المُرضية.

وانظروا إلى قوله تعالى عن سادة المتوكلين: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}

فقد قال ابن كثير: يخبر تعالى عن الشهداء بأنهم وإن قتلوا في هذه الدار فإن أرواحهم حية مرزوقة في دار القرار.

يعني: رغم حسن توكلهم وصدقهم مع ربهم.. فقد تمكن العدو منهم فأصابهم واستشهدوا على يديه؛ لكن، لأنهم كانوا في المكان الصحيح.. كانت عاقبتهم الحسنى بين يدي رب شكور.

والخلاصة في ذلك كله: نحن بحاجة شديدة إلى تعزيز اليقين في صدق وعد الله عز وجل، وتوجيه المسلمين إلى ما ينفعهم بين يدي خالقهم ورازقهم ومدبر أمورهم.

مع التأكيد على أن الهدف الأسمى والمقصد الأعلى لنا هو الفوز بالجنة والنجاة من النار؛ قال سبحانه: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}.

والله من وراء القصد


التعليقات