خاطرة حول التوكل

لا يستطيع أحدُنا أن يقدُر ربَّه -تبارك وتعالى- حق قدره. لكنه يستطيع أن يبلغ من ذلك بحسب الطاقات والإمكانات البشرية بشرط التعرف على قدرته وعظمته -سبحانه- من خلال النظر في آياته الكونية {أفلا ينظرون…} وآياته الشرعية {أفلا يتدبرون}؛ ولذلك شرعت عبادة التفكر فضلًا عن التدبر في النصوص حال تلاوتها.

ولما كان الأنبياء هم أعرف الخلق بالله.. كانوا أعظمهم توكلًا عليه جل وعلا. فقال نوح (أول الرسل) لقومه: {إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ…} الآية.

ولما كان حسن التوكل على الله علامة على معرفة العبد ربه وتعظيمه إياه.. كان ذلك من أسرع أسباب دخول الجنة..

كما كانت مواقف إبراهيم العديدة حين كسر الأصنام وحين أُلقِيَ في النار وحين ترك زوجَه ورضيعها في صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء ولا إنس ولا جان، وغيرها من المواقف.

وكذلك يعقوب عند فقد أولاده، وموسى حين أدركه فرعون ومريم حين حملت وولدت دون زواج، وعيسى حين أرادوا صلبَه وقتلَه، وغيرهم من الأنبياء والمرسلين، وصولًا إلى نبينا محمد وحياته المليئة بالمواقف (عليهم جميعًا أفضل الصلوات وأتم التسليم).

ولما كان حسن التوكل على الله علامة على معرفة العبد ربه وتعظيمه إياه.. كان ذلك من أسرع أسباب دخول الجنة؛ حتى إن المتوكلين يدخلون الجنة بغير سابقة حساب ولا عذاب (اللهم اجعلنا منهم).

والنصوص في باب التوكل أكثر من أن تُحْصَى في كتاب -فضلًا عن منشور مثل هذا- لكن.. من أهم ما استشعرت أثره في زرع التوكل في نفس العبد (دعاء عند النوم) الذي علمه النبي عليه الصلاة والسلام للبراء بن عازب رضي الله عنه:

“إِذَا أتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ علَى شِقِّكَ الأيْمَنِ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ أسْلَمْتُ وجْهِي إلَيْكَ، وفَوَّضْتُ أمْرِي إلَيْكَ، وأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إلَيْكَ، رَغْبَةً ورَهْبَةً إلَيْكَ، لا مَلْجَأَ ولَا مَنْجَا مِنْكَ إلَّا إلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بكِتَابِكَ الذي أنْزَلْتَ، وبِنَبِيِّكَ الذي أرْسَلْتَ، فإنْ مُتَّ مِن لَيْلَتِكَ، فأنْتَ علَى الفِطْرَةِ، واجْعَلْهُنَّ آخِرَ ما تَتَكَلَّمُ بهِ”.

وهذا الدعاء هو بيت القصيد في هذا المنشور، وأرجو من كل قارئ أن يحرص على حفظه والمداومة عليه.

ثم يقول عند الاستيقاظ: “الحمد لله الذي أحيانَا بعدما أماتنا وإليه النشور” وهذا نص داخل إطار التوكل أيضًا.

وفي الحقيقة.. فإن باب الذكر والدعاء من أكثر الأبواب التصاقًا بباب التوكل على الله.

اللهم ارزقنا حسن التوكل عليك واملأ قلوبنا بالتعلق بك والشوق إليك.


التعليقات