* لا توجد مراجعات داخل السجون والمحاولات السابقة فشلت
* تحالف الشرعية فشل في إدارة العمل الثوري ولم يستطع أن يكون وعاء جامعا
* نحن أمام فرصة تاريخية نادرة للتغيير
بعد اعتقال دام نحو العامين، على خلفية الدعوة لـ”انتفاضة الشباب المسلم”، أُفرج منذ أيام قليلة عن القيادي البارز بالجبهة السلفية في مصر، أشرف عبد المنعم.
“عربي21” التقت عبد المنعم، وطرحت عليه بعض الأسئلة بشأن فترة اعتقاله، التي بدأت تحديدا يوم 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، وأوضاع السجون المصرية حاليا، وحقيقة ما يجري بداخلها من مراجعات وسط المعتقلين، إضافة إلى رؤية الجبهة لمستقبل الحركة الإسلامية، وواقع العمل الثوري في مصر.
وفيما نص الحوار:
* حدثنا عن أوضاع السجون والمعتقلين حاليا
– لا يخفى على متابع للأحداث أن السجون في مصر مقسمة إلى مستويات من حيث الضيق والشدة، فأسوأها بعد سجن العازولي العسكري هو سجن العقرب، ثم تتدرج السجون في أوضاعها بعد ذلك. لكن بشكل عام فأوضاع السجون تتحسن منذ شهور عديدة بالتدريج وبنسب متفاوتة، وإن كانت ليس فيها حسن، لكن بعض الشر أهون من بعض.
وأسوأ ما في السجون الضعف الشديد في مستوى الرعاية الصحية، فمن يحتاج إلى إسعاف غالبا ما يموت لعدم السرعة مع عدم توفر الإمكانات المطلوبة لإسعافه، بالإضافة للتكدس العددي في عدد من السجون بما يجعل الحياة غير إنسانية.
* ما هي حقيقة المراجعات التي تُجرى داخل السجون؟
– لا توجد مراجعات بهذا المعنى داخل السجون، والكثرة الكاثرة ترفض أن تنهي بذلها وصبرها بأي صورة من صور الاستسلام المهين، كالذي ذكرتموه من “المراجعات”، والتي هي سيئة السمعة بين عموم الإسلاميين على اختلاف اتجاهاتهم.
نعم هناك بداية محاولات، منها ما حصل قديما في سجن التحقيق منذ نحو العام، ولم يثمر شيئا ذا بال فتم إهماله، ومنها ما حصل أخيرا في سجن العقرب من خلال محاضرات أحد الأزهريين منذ قرابة الشهرين أو الثلاثة. لكنه إلى الآن لم يصل لمرحلة ما يمكن أن يسمى بالمراجعات، ولن يصل بإذن الله، لأنه يعتمد على الضعفاء الذين وُضعوا في السجون على هوامش القضايا السياسية، دون أن يكونوا أصحاب رأي يدافعون عنه، وبالتالي فهم لا يؤثرون على المشهد العام والحقيقي لأبطالنا في الأسر.
* وما هي حقيقة الصراع بين معتقلي الإخوان والجماعات الإسلامية من جهة، ومعتقلي تنظيم الدولة من جهة أخرى في السجون؟
– أولا: الخلاف القائم حقيقي، وهو ثمرة مرة للمرحلة الصعبة التي تمر أمتنا بها، ولعدم وضوح مخرج من هذه الأزمة في عيون الشباب.
ثانيا: الغلو الاعتقادي الشائع في أنصار “تنظيم الدولة”، والذي من خلاله يكفّرون ويبدّعون من لا يوافقهم؛ ينتج انحرافا في بوصلة تحديد الأصدقاء والأعداء، فيتوجهون بعدائهم لأولياء الإسلام وشريعته، بل يجعلون عداءهم لأولياء دينهم وأبناء أمتهم مقدما على كل عداء، كشأن سلفهم من الخوارج مع عموم أمة المسلمين.
ثالثا: الخلط المتعمد الذي تمارسه الإدارة الأمنية للسجون، فتضع هؤلاء المختلفين في أماكن مشتركة (عنابر، وأرباع، وأجنحة، وأحيانا في غرف مشتركة) ما يذكي أنواع الاحتكاكات السلبية بينهم بلا شك.
رابعا: قلة الطرح الذي يمتاز بالتأصيل العلمي والوعي الواقعي، والذي يمكن أن يساهم في حل أو تخفيف الكثير من المشكلات، فيغلب الطرح العاطفي والمعتمد على العصبيات، والمؤدي بالبداهة إلى تكثير الصراعات غير المهدفة أو ذات التهديفات السلبية.
* كيف ترون التطورات الثورية والسياسية؟ وما موقفكم منها في الجبهة السلفية بعد خروجكم من تحالف دعم الشرعية منذ حوالي عامين؟
– أولا: هناك تراجع لا يخفى في المشهد الثوري، وله سببان أصيلان، أحدهما: القبضة الأمنية المتزايدة مع الوقت، بما يجعل الفعاليات الثورية غالية الثمن وضعيفة الجدوى في آن واحد، إلا ما كان رمزيا لإثبات المواقف فقط. وثانيهما: ضعف القيادات التقليدية (في الإخوان بالأساس، وفي غيرهم بالطبع) عن إدارة الحالة الثورية، وهذا الضعف بدأ في الظهور من بعد ثورة 25 يناير، وتجلى مع الانقلاب، وهو مستمر إلى الآن بكل أسف.
ثانيا: المشهد السياسي مختلف عن المشهد الثوري، فالاختلالات الفادحة التي يسببها الانقلاب لنفسه تجعل من انهياره مسألة وقت فقط، وهذا الوقت قد لا يكون طويلا لأسباب داخلية وإقليمية ودولية، فمصر دولة مركزية، ونحن لا نعيش في فراغ، ومستوى تأثرنا وتأثيرنا أكبر من أن يتحمل الوضع الحالي المنتج بعد ثلاثة أعوام من الانقلاب.
ثالثا: التحالف كان أحد أشكال مقاومة الانقلاب، ولأسباب متعددة رأينا أن استمرار جهدنا في خطنا نفسه، لكن من خارج التحالف، سيكون أفضل لنا وللأمة. وفي الحقيقة فإن التحالف قد فشل في إدارة العمل الثوري، كما أنه لم يستطع أن يكون وعاء جامعا لمناهضي الانقلاب، وكان استمرارنا فيه سيحملنا تبعات قرارات لا نوافق عليها، فآثرنا أن يتحمل كل فصيل تبعة قراراته أمام الله وأمام قواعد الحركة الإسلامية وأمام الأمة.
رابعا: نحن ندعم كل خطوة تحافظ على هوية الأمة، ونحرص على بقاء الشريعة راية وهدفا للتغيير المنشود، ونمد أيدينا للجميع في ظل مشتركات واسعة لا تستلزم التمييع المرفوض لحقائق الوحي والواقع، ونتعاون في جلب كل مصلحة مشروعة للأمة ولو كخطوة في الطريق إلى تحقيق المقصود، وسنبقى تيارا إسلاميا ثوريا يرفض الاستبداد العلماني التابع للمحتل الغربي ويقود الأمة في جهادها لاستعادة حقوقها ومكانتها ودورها، لا في الداخل فقط ولكن في العالم كله.
* كيف تنظرون لمستقبل الحركة الإسلامية في ظل ما تعانيه من ضربات داخلية وخارجية؟
– ستبقى الحركة الإسلامية قلب الأمة النابض بالإيمان وبالحياة، وقد فشلت كل محاولات استبدال الإسلاميين بغيرهم ليؤدي هذا الدور في الأمة. وستبقى طليعتنا الثورية رائدة التغيير المنشود في التعامل مع دائرتي الداخل والخارج، بما يحقق آمال الأمة، وبما يجبر العالم على تعامل مختلف معها.
إن الصراع الراهن وما أفرزه من ضربات في الداخل والخارج لم يكن كله سلبيات للحركة، بل حمل جملة من الإيجابيات الهامة: أولها: وضوح قضية الصراع على الهوية والشريعة. وثانيها: حشد أكثر الأمة خلف الحركة في هذه المعركة. وثالثها: إحياء معاني تقديم الآخرة والرغبة في الشهادة والاستعداد للتضحية.
حتى الاختلالات التي ظهرت في الحالة الإسلامية، ظهورها كان مهما لتنقية الصف وتطويره، بل ربما وإعادة تشكيله ليكون مؤهلا لإعادة تشكيل واقع الأمة.
وهذه الضربات الشرسة التي لم تستطع أن تستأصل الإسلاميين، ولا أن تستبعدهم من معادلات القوة والتأثير في المنطقة كلها، إنها أكدت أهمية الحركة، كما أنها فرضت عليها واجبا ثقيلا تجاه ربها وأمتها.
ومن الخطأ الفادح انحصار الرؤية في مكان محدود وفي جولة قصيرة محدودة، مع أن الصراع لا زال مفتوحا، ومراحله الآتية قد تكون أخطر وأهم، وتداخل التأثير اليوم في أعلى مستوياته.
ونحن أمام فرصة تاريخية نادرة للتغيير، بمعطيات داخلية وإقليمية وعالمية قل أن تجتمع، ومن لن يتقدم ليغتنمها ويكون بالتأهل المطلوب سوف تتجاوزه الأحداث ويستبدل بمن هو خير منه وأقوم بالأمر، فسنن الله غلابة.. والمستقبل للإسلام.
* تم اعتقالك على خلفية الدعوة لانتفاضة الشباب المسلم.. فكيف تنظرون إليها حاليا؟ وهل ترون أن أسلمة الثورة المصرية هو الخيار الأفضل؟
– فلنبدأ من الأخير، هل يمكن إلا أن تكون ثورة أي شعب معبرة عن هويته وانتمائه؟ وهل يمكن إلا أن تكون ثورة أي شعب سعيا نحو خياراته وأهدافه؟.. نحن لا نتعامل مع ثورة غير إسلامية حتى نحاول أسلمتها، نحن نتعامل مع ثورة شعب إسلامي الهوية إما دينيا (بالنسبة للمسلمين) وإما حضاريا (بالنسبة لغير المسلمين).. شعب لم تتح له أبدا فرصة للاختيار الحر إلا واختار الشريعة ورافعي رايتها.
إن “انتفاضة الشباب المسلم” كانت من الجهود المبذولة لمنع تزييف هوية الثورة، ولمنع حرفها عن مسارها الحقيقي، وأظن أنها أدت دورا في تحقيق أهدافها. أما الوصول لنتائج نهائية أو قريبا منها فالثورة كلها ما زالت في الطريق، ونحن جزء أصيل منها، وسنصل مع أمتنا إلى ما نرجوه قريبا بإذن الله.. ولو توهم البعض خلاف ذلك.
التعليقات