ذكر المؤرخ محمد إلهامي على صفحته على الفيس بوك أنه قابل كثيرين من المسؤولين الأتراك، وأنهم كانوا متفقين على احتمالية وقوع انقلاب عسكري على حكومة العدالة والتنمية والرئيس أردوغان.
والمتابع لردة فعل الأتراك (رئاسة وحكومة وشعبا) منذ اللحظات الأولى لانقلاب 15 يوليو (تموز)، يدرك أن الأمور لم تكن عفوية، بل كانت كلها وفق خطة كاملة معدة مسبقا من الرئيس ومعاونيه (وهذا أهم الفوارق بين مواجهة الانقلاب في مصر ومواجهته في تركيا).
وقد لا أكون مبالغا إذا قلت إن أردوغان قد استبق مواجهة الانقلاب (المحتمل) مبكرا، عندما اعتذر لروسيا وأصلح علاقته بالكيان الصهيوني؛ حيث إن الانقلاب لو حصل في ظل توتر العلاقات بين تركيا من جهة وبين روسيا والكيان الصهيوني من جهة، لأدى ذلك إلى دعمهما للانقلاب بشكل مباشر ومعلن.
وسأذكر هنا من مشاهداتي الشخصية وبعض المعلومات التي وصلتني عن طريق شهود عيان فضلا عن المعلن في وسائل الإعلام، ما يؤكد أن عملية مواجهة الانقلاب تمت عبر خطة متكاملة الأركان :
1- الحرص على سلامة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وظهورهم إعلاميا بشكل مكثف، حتى اضطر الرئيس للتحرك من الفندق الذي كان يقيم فيه في مارمريس دون موكبه الرئاسي، كإحدى وسائل الخداع، كما بدأ ظهوره الإعلامي بطريقة غير معتادة عن طريق مكالمة مصورة عبر تطبيق الفيس تايم.
2- استعمال خطاب تعبوي صدامي متوافق، حيث صرح أردوغان بأن القوات والآليات التي نزلت إلى الشوارع ليست تابعة للشعب التركي، بما يعنى أنها تشبه الاحتلال، كما صرح رئيس المخابرات بأنه أصدر تعليماته بالمواجهة حتى الموت، إضافة إلى تصريح رئيس الوزراء بأن الفاعلين لابد أن ينالوا عقابهم.
3- التجاوب الشعبي السريع مع مطالبة الرئيس لهم بالخروج إلى الشوارع، وعدم الاكتفاء بالتظاهر، بل بالذهاب مباشرة للأماكن الحساسة التي سيطرت عليها قوات الجيش، رغم الخطورة الشديدة ووجود قتلى وجرحى منذ اللحظات الأولى للانقلاب، وقد ساعد التحرير المبكر لكثير من هذه الأماكن في الفت من عضد الانقلابيين وإضعاف معنوياتهم.
4- تحرك قوات الأمن والمخابرات بشكل سريع لمواجهة الانقلابيين في أماكن انتشارهم، إضافة إلى اعتقال كل المشتبه بهم، مع إجراء تحقيق فوري والقبض على كل من يتم الاعتراف عليه بأنه مشارك في عملية الانقلاب.
5-التحرك الشعبي المفاجئ لمحاصرة كل معسكرات الجيش؛ لمنع تحرك أي آليات عسكرية أخرى، وقد تم الاستعانة باللوادر والعربات النقل الخاصة بالبلديات (المجالس المحلية) فضلا عن الباصات والسيارات الخاصة لإغلاق كل أبواب هذه المعسكرات (وهذه الحالة مازالت باقية إلى وقت كتابة هذه السطور).
6-ظهور الرموز السياسية والقيادات السابقة لحزب العدالة والتنمية (عبد الله جول ، أحمد داود أغلو) بتصريحات واضحة وصريحة تفيد رفضهم وإدانتهم للعملية الانقلابية.
7-حالة التناغم الشديدة بين مؤسسات الدولة من جهة ومنظمات المجتمع المدني من جهة أخرى، التي تحركت سريعا لوأد الانقلاب في مهده، بما يوحي بوجود تنسيق مسبق بينهما لمواجهة أي انقلاب عسكري في تركيا.
هذه الأمور مجتمعة تؤكد وجود حالة من الاستعداد المسبق لمواجهة الانقلاب، وقد كانت سببا مباشرا بعد توفيق الله عز وجل لإحباط وإفشال الانقلاب، الذي يعلم القاصي والداني مدى خطورة توابعه –ليس على تركيا فقط- ولكن على المنطقة كلها.
وبما أن المعلن إلى الآن يؤكد أن الانقلاب كان معدا له بشكل كبير، وأن مخابرات دول كبرى كانت مشاركة فيه؛ فهذا يعني: أن الخطة الموضوعة لمواجهته من الرئيس أردوغان ومعاونيه كانت خطة محكمة وموفقة ومسددة.
وبالمناسبة: كونهم كانوا على استعداد لمواجهة أي انقلاب محتمل، لا يفهم منه أنهم كانوا على علم تام بموعد وتفاصيل هذا الانقلاب بعينه، بل مثل ربان السفينة الذي يعمل حساب الريح قبل الإبحار.
وختاما: ليس المقصود من هذا المقال بيان عوامل انتصار أردوغان وفشل الانقلاب.
اللهم احفظ تركيا وشعبها من كيد الكائدين ومكر الماكرين، ووفق قيادتها لما فيه الخير لها ولأمة الإسلام.
والله من وراء القصد
التعليقات