إن أخطر ما قد تواجهه المناهج والأفكار -أيا كانت- لا يكون من عدوها، بل من سوء صيانة أبنائها وحراسها ..
وإذا كانت كافة المناهج الدينية أو البشرية الوضعية هي في حقيقتها سياسية حتى لو نشأت كهنوتية كالمسيحية الصليبية، أو اجتماعية اقتصادية كالليبرالية، فالأحرى بذلك الفئات الإسلامية والتي يعد البعد السياسي ركيزة أساسية في منطلقاتها وتكوينها ونشأتها..
وإن قمع المعارضين أو محاولاتهم اللجوء للتفكيك الفكري لتلك المناهج والأفكار؛ ليس مخلخلا لها في الحقيقة؛ بقدر اهتزاز تلك المناهج -هدفا أو وسيلة- في نفوس أصحابها أو تشوشها وعدم وضوحها، حتى لو كان ذلك نتيجة للقهر المعادي سيما لو تم بآليات السلطة ..
وهذا ما أكده جدا منهج الوحي وأرساه سيد المتقين عليه وآله السلام، فلا يجوز شرعا ولا عقلا ولا سياسة، أن تنتهج أية فئة نهجا ثم هي تعتذر عنه أو تبرر له أصل وجوده، فضلا عن أن تكون هذه الفئة عقائدية إسلامية ..
وإذا كانت كافة المناهج الدينية أو البشرية الوضعية هي في حقيقتها سياسية حتى لو نشأت كهنوتية كالمسيحية الصليبية، أو اجتماعية اقتصادية كالليبرالية، فالأحرى بذلك الفئات الإسلامية والتي يعد البعد السياسي ركيزة أساسية في منطلقاتها وتكوينها ونشأتها..
وإذا كان من بداهة العقول أن الفئات السياسية لابد أن تسعى لامتلاك السلطة، ولابد للسلطة من قوة؛ فإنه أيضا من أساسيات الشريعة السعي نحو السلطة، فالله يزع بالسلطان الذي يحمل منهج القرآن ويرفع رايته، ما لا يزع بالقرآن ذاته صحفا وحفاظا، وكان من دعاء الصالحين لإمضاء إرادتهم وتحقيق غايتهم: (رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين). وكما أمرنا أن نعض على المنهج نفسه عقيدة وشريعة فقال مادحا: (والذين يمسكون بالكتاب)، عاد فأمرنا بصيانته وحراسته بالقوة فقال: (خذوا ما آتيناكم بقوة)..
فلا غنى عن كلا الأمرين السلطة والقوة، كما لابد من إخضاع المعاندين الذين ينابذون هذه السلطة بالقوة، وهي حقيقة الجهاد وقاعدة السلطة وأحد مقومات وجودها !! فكيف يجوز في العقول السليمة أن تعتذر بعض قطاعات الحركة الإسلامية عن السلطة؟! فلم تنازع المتسلطين إذا؟! علما أن مجرد وجودك كجماعة عقائدية منفصلة؛ هو في ذاته منازعة للسلطة المعادية!!
وكيف يمكن أن تعلن رفضها لمبدأ القوة، وهو أصل قيام السلطة والحفاظ على بقائها، وكفالة استمرارها وتحقيق تشريعاتها وقوانينها؟!
لكن كل ما سبق لا يعادل خطورة استيراد الفكر السلفي المعلب أو المصنع سلطويا من بعض الأنظمة الرجعية -بالاعتبار الفعلي لا الشيوعي- كالنظام الملكي السعودي..
وليس العجيب في هذا أنه تنكر لبعض أهم خصائصها المنهجية فحسب، ولكن الأعجب أن يأتي هذا الانسحاب وذاك التنكر فكريا وتنظيريا وربما تكوينيا أيضا؛ وليس عمليا فحسب -وربما جازت المناورة الحركية بعكس المنهجية-، والأدهى من ذلك أن يكون هذا تراجعا في مقابل الضغط العلماني داخليا والغربي خارجيا!!
لكن كل ما سبق لا يعادل خطورة استيراد الفكر السلفي المعلب أو المصنع سلطويا من بعض الأنظمة الرجعية -بالاعتبار الفعلي لا الشيوعي- كالنظام الملكي السعودي، فهذا الفكر لم يتم تصديره من هذه النظم المنحطة إلا بعدما تم تهجينه -بمعنى دس السم فيه، وتدجينه -بمعنى تهذيبه وترويضه، فجاء هذا المنهج كالفيروس المدمر لكيان الحركة الإسلامية باعتباره شبيها بها بل داعيا لأصوليتها، ولكنه في الحقيقة وفي قطاع واسع منه كان دخيلا على أصل المنهج الإسلامي الذي يأبى الخنوع للظالمين. بل هو في حقيقته ثورة وانقلاب على الأوضاع الباطلة. كما يأبى الانغلاق بل يكرس العالمية والشمولية..
ولعل من أهم ما أنتجته الثورة المصرية؛ هو ظهور رموز إسلامية تجهر بهذه المبادئ وتنافح عليها وتدفع ثمن ذلك، رغم كثرة المتخاذلين من أبناء الصف ورموزه. وقد تلازم ولابد الجهر بالحق وقرب قيامه في واقع الناس وتبوأه موقع الحاكمية..
كما أن من أخطر ما تمخضت عنه هذه الصورة كذلك؛ هو وصول الحركة الإسلامية لموقع السلطة، وقد أكد ذلك انقلاب الدم ضدها ولم ينفه، فلم يكن ليقدر على إقصائها من موقعها المستحق ذاك لولا افتقارها للقوة. وعلى أي حال، فقد انتقل حيز الصراع من مجرد محاولة البقاء والوجود ولو في ظل استضعاف واضطهاد وحشي، إلى الصراع على موقع السلطة والأحقية بها، ولا ينقص من قيمة هذه الحقيقة التاريخية ما أصاب الواقع الإسلامي المصري من محنة وبلاء وانهزام مرحلي..
التعليقات