قال مصطفي البدري القيادي في الجبهة السلفية وعضو مكتبها السياسي بأن الثورة في الشارع المصري مستمرة رغم أعمال القمع والقتل التي يمارسها الحكم العسكري عقب انقلاب 3 يوليو، وأن الشعب المصري لن يتنازل عن ثورته والقصاص من القتلة، ولابد من التفكير خارج الصندوق في الآليات المتبعة لتفعيل هذه الثور وإنجاحها.
وأكد البدري في حوار مع “الإسلام اليوم” أن “مصر تمر بأسوأ حالاتها التاريخية على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية، فضلا عن الحرب التي يعلنها العسكر على هوية مصر الإسلامية، وهذا ما يتضح في ضربه لكل ما هو إسلامي وتشويه العقيدة وغيرها من ممارساته الواضحة للجميع، فضلا عن القتل والقمع وتحويل مصر إلى سجن كبير”.
وحول مصير الرئيس عبدالفتاح السيسي، أشار القيادي بالجبهة السلفية إلى أن “تخبطه سيقوده للفشل حتما، ولابد من محاكمته كمجرم حرب، ولإسقاطه لابد من اصطفاف ثوري حقيقي وبآليات ثورية جديدة، خاصة أن الظروف باتت مهيأة الآن نتيجة الفشل الملموس والواضح لنظام السيسي العسكري، الذي يلمسه الشارع المصري بكل أطيافه ومن بينهم من أيد السيسي في بداية الأمر”.
وتناول الحوار مع البدري العديد من القضايا الأخرى من بينها الانتخابات البرلمانية الأخيرة، واصفا البرلمان الأخير بأنه أسوأ من برلمان 2010، وتطرق إلى الجبهة السلفية وما تتعرض له من مضايقات واعتقالات لأعضائها، كما تطرق إلى جمعة الهوية الإسلامية “الشباب المسلم” الشهيرة التي جرت 28 نوفمبر من العام الماضي وموقف الجبهة من القوى والكيانات الثورية الأخرى ومن بينها التحالف الوطني لدعم الشرعية.
الداخل المصري
الإسلام اليوم: بداية كيف ترى الوضع في مصر في هذه المرحلة بشكل عام؟
أرى أن مصر الآن في أسوأ حالاتها التاريخية اقتصاديا، سياسيا، اجتماعيا، ثقافيا، أمنيا وما ذلك إلا بسبب الحرب المعلنة من النظام العسكري وأذنابه على الإسلام ومقدساته وشعائره وشرائعه، إضافة إلى معاداة الشرفاء والوطنيين وقتلهم أو سجنهم أو تهجيرهم؛ لكن مصر تنهض من ناحية القوى الحية التي اكتسبت الوعي وتوشك على التطور والتقدم، كما أن الثورة بحمد الله تخلصت من شوائبها .
الإسلام اليوم: هل وصلت الأمور إلى طريق مسدود في وجه النظام الحالي؟
العقلية العسكرية لا تستطيع التعامل مع أي مشكلة بطريقة صحيحة، فهي لا تعرف إلا لغة العداء والقضاء، وبالتالي ستصل حتما إلى طريق مسدود، فلا هي حلت المشاكل الداخلية على أي مستوى، ولا هي تماشت إقليميا مع حلفائها بطريقة تحافظ على العلاقات معهم، ولا دوليا استطاعت وضع مصر في مكانة تليق بتاريخها وحضارتها؛ فهي تسير بمصر من سيء إلى أسوأ، ولم يبق أمامها إلا أن تأكل بعضها لتقضي على نفسها.
الإسلام اليوم: هل نظام السيسي بإمكانه الاستمرار في ظل هذا الفشل؟
هناك فرق بين رأس السلطة العسكرية الحالية الذي يمثل الانقلاب على أول رئيس منتخب، وبين النظام الذي هو عبارة عن الدولة العميقة المسيطرة على كل المؤسسات في مصر، فالنظام متجذر ومتغلغل بصورة تجعل استمراره ممكنا فترة من الزمن، حتى لو تم تغيير رأسه كما حصل مع حسني مبارك، وهذا هو الحل الأخير للنظام عندما يشعر أن الثورة ستقتلع جذوره فيلجأ لخلع رأسه حتى تتراجع الثورة ويتمكن من الالتفاف حولها لتفريغها أو لتدميرها؛ وإن كان الأمر هذه المرة أصعب من تجربتنا مع مبارك.. إلا أن غباء شخص السيسي يعجل بالضرورة من التخلص منه للحفاظ على النظام، وأظن أن الثورة حين تنتصر ستقتلع النظام نفسه وليس جزءاً منه كما فعلت من قبل في مرحلة سذاجتها الأولى.
الإسلام اليوم: برأيك ما هو المصير الذي ينتظر السيسي؟
أتوقع ألا يطرأ جديد على المشهد خلال الفترة القصيرة المقبلة؛ والسيسي يُعتَبر النقطة الأضعف في النظام، فهو مجرد أداة وألعوبة بيد الدولة العميقة، والغرب يتركه ليحقق أكبر مكاسب ممكنة ويدمر مقومات الدولة بشكل خطير، وعندما تنتهي صلاحيته فسوف تضحي به هذه الدول حين يبدو وجوده متعارضا مع مصالحها، أو ينقلب عليه أصحابه أو أية احتمالات أخرى؛ والخلاصة.. أنها تغييرات لا تعنينا طالما بقيت بذرة الثورة وكذلك موروث العداء الوجودي بين القطاع الأكبر من الشعب مع النظام المجرم وبدأ استعادة بقية قطاعات الشعب المحايدة او المغيبة لوعيها بالواقع. أما السيسي نفسه فتنبغي محاكمته كمجرم حرب.
الإسلام اليوم: هل بوسع المعارضة أن تقود ثورة جديدة للإطاحة بالسيسي وهل الشارع مهيأ لذلك؟
كل أسباب الثورة موجودة وأكثر بمراحل مما كانت عليه أواخر عهد مبارك، والشارع مهيأ وينتظر نقطة الانطلاق التي تكسر عنده حاجز الخوف الأمني، والأدوات والآليات والخطط جاهزة ومتوفرة، لكن تبقى المشكلة في القيادات المتكلسة التي تمتلك الإمكانات المادية والأدوات البشرية والإعلامية أنها لا تريد أن تتخذ قرارا بثورة حقيقية خارج صندوق النظام العالمي وعندما يتم تغيير هذه القيادات أو تجاوزها لقيادات أخرى تعرف المعنى الحقيقي للثورة.. سيحدث هذا، ولن يقتصر الأمر وقتها على السيسي، بل سيشمل كل أركان النظام المجرم بإذن الله.
الإسلام اليوم: ولكن إذا كان هذا ممكنا ما هو المطلوب لنجاح هذه الثورة؟
المطلوب هو اتخاذ القرار بالخروج من الصندوق، كما قال تعالى: {ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}، وقد كان ذلك ممكنا بشكل أكبر وخسائر أقل أيام اعتصام رابعة والنهضة، وحتى بعد الفض (قدر الله وما شاء فعل)، لكن التأخير يزيد الأمر صعوبة ويعلي من تكلفته؛ كما ينبغي تطوير القدرة على الالتحام بالجماهير وتفعيلها عبر آليات الحشد الشعبي وتثوير الكتلة السائلة والالتحام بها عند نقطة الانفجار وتشكيل دور القيادة الجماهيرية لتطويق النظام وتقليل الخسائر.
الإسلام اليوم: هل حضرتك مع دعوات الاصطفاف الثوري التي ينادي بها الكثيرون الآن؟
بالطبع أنا أدعم أي اصطفاف يحترم الهوية الإسلامية ويرفع من شأنها ويقبل بالإرادة الشعبية المتمثّلة إلى الآن في الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، أما أي اصطفاف يقوم على غير هذه القيم والمبادئ، أو يدعو للتنازل عن حقوق الشهداء.. فأنا ضده وأرفضه.
الإسلام اليوم: وهل هذه الدعوات ستنجح ويحدث توحد حقيقي بين الثوار من التيارات السياسية المختلفة؟
التوحد الحقيقي هو التواجد العفوي في ميادين الثورة دون توجيه من أحد باشتراطات معينة، والحركة الإسلامية بكل مكوناتها أثبتت أنها أقوى هذه التيارات على الصمود والثبات في ميادين التضحية والفداء للدين والوطن، وبالتالي.. فأي تيار آخر يريد أن يشارك في الثورة فأهلا وسهلا به؛ وليعلم الجميع أن التوحد في الميدان – دون سياسة الابتزاز وليِّ الأذرع – قادر بعون الله على تذويب أيّة خلافات موجودة الآن.
الإسلام اليوم: وكيف ترى بيان 6 إبريل الأخير ودعوته إلى الحوار الوطني؟
على المستوى الشخصي.. أراه بيانا لا يستحق النظر فيه، ولم ندرس هذا البيان في أي اجتماع لنا، ولم نعره اهتماما داخل الجبهة.
الانتخابات البرلمانية
الإسلام اليوم: كيف تري الانتخابات البرلمانية المصرية الأخيرة؟
الانتخابات البرلمانية في أي دولة في العالم تقوم على عدة أركان منها قضاء نزيه، شعب حر، إعلام صادق، أحزاب قوية، رموز سياسية وفي مصر الآن القضاء مسيس وتابع للسلطة العسكرية. والشعب يعيش أشد لحظات الخوف من التعبير عن الرأي و الإعلام يكذب لحساب رؤوس الأموال المرضي عنها سلطويا، الأحزاب القوية تم حلها أو محاصرتها، الرموز السياسية بين سجين ومطارد. فكيف نسمي ما حدث ويحدث انتخابات برلمانية؟ وبالجملة.. فليس هناك أي عملية سياسية حقيقية بمصر في ظل غياب الحركة الإسلامية.
الإسلام اليوم: وما تعليقك على مقاطعة الشعب المصري لها؟
الشعب المصري شارك بشكل لافت خلال كل الاستحقاقات الانتخابات بعد يناير 2011 حتى حدوث انقلاب يوليو 2013 وكانت النتيجة أن قام العسكر بإلغاء كل ذلك، فحصلت حالة من اليأس، أضف إلى ذلك ما قامت به قوات أمن الانقلاب من ملاحقة واعتقال من أرادوا التصويت بـ(لا) خلال عملية الاستفتاء على التعديلات الدستورية المزعومة في أوائل 2014، فشعر الشعب بأن الأمور منتهية، وأن السلطة العسكرية ستفرض رئيسا ونوابا يعبرون عنها ولا شأن للشعب بهذا الموضوع.
الإسلام اليوم: وما هي ابرز ملاحظاتك على هذه الانتخابات؟
أبرز ملاحظاتي هي إصرار العسكر على تصدير شخصيات مثل عكاشة ومرتضى وعبد الرحيم وبكري.. بمثابة رسالة واضحة أنه لا مجال للشرفاء ولا العلماء في قيادة مصر أو التعبير عن شعبها.
الإسلام اليوم: وهل سيكون هذا البرلمان شبيه ببرلمان 2010 ويؤدي إلى ثورة جديدة؟
هذا المسرح المسمى بالبرلمان لا يقارن ببرلمان 2010 (وكلاهما شر ووبال على مصر) لكن التشكيل الحالي أسوأ بكثير من سابقه، والثورة موجودة بالفعل وتحتاج لإحداث حالة من التلاحم مع المطالب الشعبية العامة التي ستساهم بلا شك في تحريك الجماهير معها.
ملف الجبهة
الإسلام اليوم: نأتي إلى ملف الجبهة.. ماذا عن الجبهة الآن وأنشطتها؟
الجبهة كيان إسلامي ثوري، يهتم بالعمل الدعوي والتعليمي والتربوي، كما يقوم بعمل توعوي وتعبوي تجاه قضايا الأمة الإسلامية، وهذه أنشطة تمارسها في أحلك المواقف وأضيق الأوقات، وتغلب ما يقتضيه واجب الوقت من التماهي مع ثورة الأمة ضد طواغيت الحكم الجبري الحالي.
الإسلام اليوم: وماذا عن المضايقات التي تتعرض لها واعتقال أعضائها مؤخرا؟
هذه المضايقات والاعتقالات لا تمثل لنا جديدا، فقد اعتدنا عليها -بل- هي من متلازمات هذا الطريق، وهذا ما قاله ورقة بن نوفل للنبي – صلى الله عليه وسلم – في أول لحظات نزول الوحي عليه: “ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا عودي”، وبإذن الله لن تؤثر فينا أو تفت في عضدنا، بل ستزيدنا ثباتا وقوة على طريق الحق الذي اخترناه وسلكناه.
الإسلام اليوم: وماذا عن علاقتكم بالتحالف الوطني لدعم الشرعية، وهل لازلتم أعضاء به؟
لم نعد أعضاء بالتحالف، وقد خرجنا منه منذ عام تقريبا لأسباب أعلناها وقتها، لكن تبقى علاقتنا مستمرة معه للتشاور والتنسيق من أجل تطوير الحراك وتفعيله.
الإسلام اليوم: منذ أيام قليلة مر عام على ذكرى جمعة 28 نوفمبر الماضي.. ما هو تقييمكم لهذه الفاعلية وتداعياتها بعد مرور عام؟
نحن حريصون على تقييم فعالياتنا عموما، وفعالية (انتفاضة الشباب المسلم) خصوصا، وقد نشرنا في ذكراها تقريرا شاملا، وإجمالا.. نحن نحمد الله على أن وفقنا لهذا العمل المهم في تاريخ الثورة المصرية، فرغم ما عابه من بعض الأخطاء الإدارية، إلا أنه سيظل لحظة مهمة حيث أظهرت مدى عداء عسكر السلطة للإسلام، ومدى خوفهم من انتفاضة ترفع راية الهوية وتعظم شأن الشريعة الإسلامية؛ وبالمناسبة.. هذه الفعالية كانت البداية، وما عابها إلا عيوب البدايات، وسيكون لها ما بعدها بإذن الله.
الإسلام اليوم: تعرضت هذه الفاعلية وقتها لانتقادات شديدة بل البعض ذهب إلى أنها منحت الأمن فرصة كبيرة لإجهاض أي تحرك ضد براءة مبارك وقتها بل واتهام بالتواطؤ أحيانا؟
نحن لا نهتم كثيرا لمثل هذه الاتهامات الباطلة، خاصة وأن بعض أصحابها تراجعوا عنها، وبعد اعتقال قيادات الجبهة، وظهر تسريب محمد إبراهيم – وزير الداخلية- مؤكدا براءة الانتفاضة، والكل يعلم أننا أردنا تهيئة الأجواء وتنشيط الثوار قبل الحكم المتوقع ببراءة مبارك ليزداد الزخم بعد الحكم، ولكن.. قدر الله وما شاء فعل، وحسبنا أننا بذلنا وسعنا وجهدنا معذرة إلى ربنا.
الإسلام اليوم: هل تنوون تنظيم فعاليات خاصة بالجبهة خلال الفترة القادمة خاصة مع اقتراب ذكرى 25 يناير؟
الجبهة حريصة كل الحرص على المشاركة في كل الفعاليات الثورية وإنجاحها، ولا تحب أن تنفرد بشيء إلا عندما يحدث خمول أو ركود في الحراك من أجل إعادة تنشيطه، وبالتالي فنحن جزء من الفعاليات العامة في ذكرى 25 يناير ولن ننفرد عن المجموع بعمل خاص.
التعليقات