الإسلام هو الحل.. -لكن- ليس الآن !

في أول بيان أصدرته حركة المقامة الإسلامية (حماس) في ديسمبر ١٩٨٧ نصت على أن الإسلام هو الحل العملي لقضية فلسطين ، وأنها ترفض إضاعة الجهد والوقت في اللهث وراء سلام (هزيل) أو مؤتمرات دولية (فارغة)؛

ومنذ هذه اللحظة والحرب الضروس مستعرة على حماس من كل حدب وصوب ، بيد أن تمسكها بهذا الكلام كان أهم عوامل بقائها وأرجى مصادر قوتها.

وفي بداية انضمامي للحركة الإسلامية أعجبني جداً الشعار الذي ترفعه جماعة الإخوان المسلمين في كل المحافل السياسية ، ورغم رفضي لمبدأ الدخول في الانتخابات البرلمانية إلا أنني أثناء انتخابات ٢٠٠٥ كنت أقول على المنبر (من كان ذاهبا ليدلي بصوته فليضعه لمن يرفع شعار الإسلام هو الحل).

ومن نافلة القول: التأكيد على أن الإسلام دينٌ له من المعطيات والأحكام والرؤى ما يحل به مشكلات الحياة جميعها ، ولذلك كنا وما نزال نؤمن إيمانا قاطعا بأن الإسلام هو الحل لواقعنا المعاش (قبل الثورة وبعدها ، قبل الانقلاب وبعده ، قبل المجازر وبعدها) فلا حل لأي مشكلة ولا مخرج من أي أزمة إلا عن طريق الإسلام عقيدة وشريعة ومنهجا.

والحديث عن هذا العنوان (الإسلام هو الحل) طويل ومتشعب العناصر، لكني هنا أريد الجواب عن سؤال واحد فقط وهو: هل هناك وقت لا يكون الإسلام فيه هو الحل؟

وأنا لا أتكلم عن ذلك نزاهةً أو من باب شغل أوقات الفراغ..

فقد سمعت بأذني ورأيت بعيني من يعقب لي على كلمة ألقيتها هنا في اسطنبول قائلا: [الإسلام هو الحل صحيح ، لكن ليس الآن ، الآن التوافق هو الحل] ولو كان القائل علمانيا أو يساريا أو مُهَلّبيا لما أعرتُ كلامَه اهتماما ، أما والقائل من كبار أبناء الحركة الإسلامية.. فقد شعرت بالصدمة ، ورجعت بي الكلمات إلى الوراء وعادت بي إلى الواقع الذي نعيشه ، حيث أرى جماعات من أقدم وأكبر الحركات الإسلامية وهي تتبارى على إخفاء هويتها وتغييب عقيدتها! وتتسابق لإثبات مدنيتها وديمقراطيتها!!

وساءلت نفسي وغيري..

كيف يكون الإسلام هو الحل لمشكلات الناس ، وبعض المسلمين يتنازلون عن الإسلام دعوةً وشعارًا ، ويسبحون بحمد الديمقراطية الأمريكية صباح مساء؟!

هل الإسلام الآن أصبح مشكلةً وعائقا لنا؟!

هل الإسلام الآن يمثل عقبة في طريق استرداد حقوقنا؟!

هل الإسلام الآن يُعَد أحد أسباب ضعفنا وهزيمتنا؟!

هل آن لنا أن نحذف من مصحفنا {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}؟!

وأن نحذف من تاريخنا “كنا أذل قوم فأعزنا الله بهذا الدين ، ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله”؟!

وأن نحذف من قاموسنا (في سبيل الله قمنا ، نبتغي رفع اللواء) ، (فليعد للدين مجده ، وليعد للدين عزه) ، (الله غايتنا ، الرسول قدوتنا ، القرءان دستورنا ، الجهاد سبيلنا ، الموت في سبيل الله أسمى أمانينا)؟؟؟!!!

أيها الإخوة الأحباب: نحن في حرب شاملة مع الجاهلية الرافضة لأصل ديننا ، ومعركتنا مع الظلم والفساد والاستبداد أحد معارك هذه الحرب الشاملة الطاحنة ، فلا تجعلوها أصلا للصراع فتهلكوا.

أيها الإخوة الكرام: إن عدوكم يعرف طريقه جيدا ، ودائما يصرح قولا وفعلا أنه جاء ليقضي على دينكم ، فيجمع كل خصومكم حوله ويتقوى بهم ، وأنتم تخسرون الكثيرين من أنصاركم بمداراتكم -بل- وبمداهناتكم.

أظننا بحاجة أن نتذاكر بعض الآيات القرءانية التي تعالج هذه الإشكالية بوضوح وصرامة (وتهديد أحيانا)

قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ}

وقال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}

وقال: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ}

وقال: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا * إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا}

وترجم ذلك كله صاحب (الظلال) في (معالمه) بكلام رائع وقوي تحت عنوان [وهذا هو الطريق] ضمن باب [طبيعة المنهج القرءاني] وختمه قائلا: (ولم يكن شيء من هذا المنهج المبارك ليتحقق على هذا المستوى الرفيع ، إلا أن تبدأ الدعوة ذلك البدء ، وإلا أن ترفع الدعوة هذه الراية وحدها ..لا إلٰه إلا الله.. ولا ترفع معها سواها ، وإلا أن تسلك الدعوة هذا الطريق الوعر الشاق في ظاهره ، المبارك الميسر في حقيقته؛ وما كان هذا المنهج المبارك ليخلص لله ، لو أن الدعوة بدأت خطواتها دعوة قومية أو دعوة اجتماعية أو دعوة أخلاقية.. أو رفعت أي شعار إلى جانب شعارها الواحد “لا إلٰه إلا الله”) أ.هـ

وأختم بقبسات أخذتها (بتصرف) من تقرير (مصر الجائزة) الذي كتبه الشيخ الفاضل عبد العزيز مصطفى كامل:

وبالنظر إلى أن الأمر جد ليس بالهزل ، فلنا في ذلك الشأن عدد من الوقفات ، أهمها : أولاًِ : الموقف الأمريكي واضح ومحسوم في تجديد دماء العلمانية والليبرالية في مصر في السنوات والعقود المقبلة ، لحساب أمريكا ومشاريعها في المنطقة ؛ حيث لن ترضى أبداً بقبول «آليات» الديمقراطية دون «قيمها» التي هي نفسها «قيم» الحضارة الغربية ونمطها في الحياة ، وإن استمرار الإعلاء من شأن هذه (القيم) في تجاهل مؤسف لمبادئ الشريعة المناقضة لها ، يُعد بقصد أو بدون قصد مشاركة في إنجاح المشروع الأمريكي الهادف إلى محو الشخصية الإسلامية و (تغيير) الدين الإسلامي .

والإسلاميون أوْلى الناس في هذه المرحلة باستقلال الشخصية ووضوح الهوية ومواجهة الهجمة الجديدة عليها .

ثانياً : لسنا ملزمين بأن نعد الديمقراطية كأحد تجليات العلمانية ركناً سابعاً في الإيمان ، أو سادساً في الإسلام ، وشدة انبطاح العلمانيين أمام هجمة الأمريكيين ! لا تسوِّغ تحويل الديمقراطية عندنا إلى ما يشبه الفريضة الدينية ؛ فبعض «قيم» هذه الديمقراطية المفروضة قسراً ، مرفوضة عندنا قطعاً ، بل مجمع على رفضها وتحريمها مثل «حاكمية الشعب» دون حاكمية الشريعة ، وقبول الآخر «الكافر» بإطلاق إلى حد إيصاله إلى منصب الولاية العامة ، والمناداة بـ (التشريع المدني) المنافي للشرع الديني ، حتى في الأحوال الشخصية ، إلى غير ذلك من المخالفات .
ثالثاً : آليات الديمقراطية من الانتخابات والبرلمانات ؛ برغم وجود بدائل عنها في الإسلام ؛ فإن ما لا يتعارض منها مع شريعتنا ، لا ينبغي أن يُخلط بينه وبين تلك «القيم» الديمقراطية المرفوضة ، ولا ينبغي أن يطأطئ الإسلاميون الرأس إجلالاً لها ولا لآلياتها ، وبخاصة أن أكثر مفرداتها تعاديهم ف «التعددية» تقصيهم وحدهم ، و «حكم الأغلبية» يتجاهلهم ، و «الحريات» محبوسة عنهم ، و «حقوق الإنسان» تبحث عن كل إنسان غيرهم ، و «قبول الآخر» يتجهمهم ، و «المجتمع المدني» لا يتعامل بالعسكرية الصارمة إلا معهم .
أخيرا : بما أن الإسلاميين هم أصحاب الشرعية الحقيقية التي فُتحت بها مصر ، وظلت وستظل – بإذن الله – وطناً إسلامياً ؛ فإن أضعف الإيمان ، وأقل واجب الآن (وأعظمه في الوقت نفسه) أن ينافح أصحاب تلك المشروعية عن أصل مشروعيتهم ، وهي شريعة الإسلام الخالدة.
أ.هـ كلامه
وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد القائل: “لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك”

والله من وراء القصد.


التعليقات