تأملات فى واقعنا

كل مسلم عليه أن يتحمل التبعة فالدين دينه والقضية قضيته والعرض عرضه والأرض أرضه وليس أحد أولى منه بحمله .
مما ألحظ غيابه عند النظر فى تقييم الكثير من الاخوة للواقع : التفريق بين أرض وأرض ودولة ودولة وعدو وعدو وملابسات وملابسات
وهذا مما يسبب القعود عن اتخاذ خطوات جادة نحو الهدف وان كانت مرحلية .
مثال ذلك قياس الأوضاع فى مصر على الأوضاع فى العراق أو ليبيا والشام وفلسطين والسخرية من الذين لايجدون الا جهدهم فى مصر وهم الأوفياء الأتقياء الذين استمروا فى العمل بعد يأس الجميع .
العراق كان يحكمها صدام ولا يستطيع أحد القيام بحراك مؤثر ضده رغم فظاعة الانتهاكات التى كانت تحدث فى عصره ضد الحركات الاسلامية رجالا ونساء
فلما حدث الاحتلال الأمريكى وسقطت الأجهزة الأمنية والجيش النظامى المتماسك وتوفرت الحاضنة بسبب ظهور العدو وتفكك جيش صدام ودخلت أسلحته وخبراته فى المقاومة تمكن الاسلاميون من حمل السلاح وبناء حركات مسلحة قوية وتجنيد الشباب وصارت لهم شوكة خاصة وأن الدولة تم تسليمها للشيعة وهم عدو تاريخى معزول عن جسد السنة وطائفى بيه وبين الحاضنة عداء.
فى سوريا ورغم أن النظام ينتمى للنصيرية وهى طائفة معزولة بينها وبين الحاضنة براء وتميز ورغم الجرائم التى تفوق الوصف التى قام بها حافظ وأجهزته ومن بعده بشار الا أنه لم يمكن التحرك ضده الا بعد ثورة شعبية دعمتها معنويا واعلاميا أكثر دول العالم بما فيها أمريكا والخليج وانشقاقات فى الجيش وأركان النظام فى المحافظات أضعفته وهيأت الظرف الملائم للتحرك مع دعم من دول الجوار وتسهيل لمرور الأسلحة والمقاتلين .
فى ليبيا باءت محاولة التحرك ضد القذافى رغم جنونه وبطشه بالفشل وكانت محدودة غير مؤثرة حتى توفر الظرف الملائم بحراك شعبى وقبلى دعمته أكثر دول العالم اعلاميا ومعنويا بل وتدخل لصالحه حلف الناتو بقصف قوات القذافى وابادتها على الأرض وتعطيل سلاحه الجوى لصالح المقاتلين الذين يزحفون على الأرض مما حسم معركة كانت كفتها تميل لصالح القذافى بعد اقترابه من اجتياح بنغازى وبعد تفكك الأجهزة الأمنية وجيش القذافى وانشقاقه وانشقاق وزير داخليته وأجهزته وتميز القبائل وجدت فرصة لامتلاك شوكة وقدرة على حسم مسلح .
فى فلسطين العدو يهودى ظاهر معزول وشاركت الكثير من الدول وأجهزتها الاعلامية فى اظهار جرائمه والجهاد ضده جهاد ضد محتل والحاضنة متوفرة لهذا ورغم صعوبة هذه الجبهة بسبب أنها تضرب فى قلب النظام العالمى ولا تتقاطع مصالحها معه فى قليل أو كثير ووجود الدول العميلة المحاصرة وعدم وجود المتنفس السهل الا أن ظهور العدو ووجود الحاضنة والتعاطف الاسلامى العام ساعد بعد سنوات طوال فى امتلاك شئ من القوة العسكرية يمكن من المواجهة الجادة .
فى مصر عدو من جلدتنا ومن طائفة ردة حديثة لم تفصل عن جسد السنة ولا زال لها مناصرون من علماء وجهات رسمية وغير رسمية والتباس على الشعوب بحيث تشعر أنها منهم وهم منها وأبناؤهم فيها وهم جنودها والعدوان عليها عدوان على تلك الشعوب وأبنائها مع تماسك كامل فى الأجهزة والجيوش وتحالف عالمى كامل وتخطيط مشترك ودعم مادى لا محدود فلا توافق من النظام العالمى على تفكيك النظام ولا انشقاق داخلى فى أركانه
هذا الأمر يصدق حتى على فترة ما بعد الثورة حيث امتص النظام الصدمة ولم يواجه جموع الشعب وهى متماسكة وتراجع خطوات الى الوراء واستمر الدعم الغربى والاقليمى له وكان الجميع يجمع على أن الظرف غير مواة لمواجهته بغير الحشود الثورية .
لم يحدث أن نحجت مواجهة ضد العلمانية بغير ظروف قدرية تسقط النظام وتفكك قبضته(كاحتلال أجنبى أو تدخل لازاحته) أو انشقاقات وانقلاب فى أركانه تؤدى الى نفس النتيجة التى يتمكن بعدها أهل تلك البلاد من تكوين نواة مواجهة صلبة ومناطق انطلاق آمنة وحاضنة شعبية (ان استطاعوا الحفاظ عليها ضد العدو الغير متميز) .
عليك أن تلقى نظرة الى الأردن ومصر والجزائر والمغرب وتونس وباكستان والخليج وكزاخستان وجيبوتى وغيرها ثم تتابع الانتهاكات التى تحدث للاسلاميين جميعا وعلى رأسهم الجهاديون وهم أكثر الناس ايمانا بأحادية الحل وفوريته وعدم جدوى التمهيد وتكوين الحاضنة وعدم جواز الخطوات المرحلية التى تشكل غطاء أو تفتح بابا للدعوة من باب المرحلية حتى امتلاك القدرة وتحقيق التمايز ..ثم تنظر بعدها لحالة العجز عن الدفع وعن تكوين حراك مؤثر فى أرض غير ممهدة وأمام أنظمة متماسكة وحاضنة مفقودة بل مستعدة للعداء والانحياز للخصم .
مصر تكاد تكون المكان الأول فى العالم الذى نشأت فيه الحركات التى تتبنى الفورية فى المواجهة فمن أحداث الستينات والفنية العسكرية والناجون من النار الى طلائع الفتح والجهاد والجماعة الاسلامية لم يتمكن الجميع من انشاء جبهة مواجهة مستمرة أو حراك عام مؤثر الى وضعنا الحالة الذى اهتز فيه الواقع شيئا ما لكن ليس بالقدر الكافى وزادت الانتهاكات الى حد لا يحتمل لكن مع هذا وبرغم الوجود الكثيف للتيار الجهادى الذى لا يرى قيمة ولا فائدة للمرحلية ولا التعبئة السلمية الا أنك تجد العجز والالتزام بأقصى درجات السلمية هو السمة العامة لهذا التيار فى مصر (فمن مهاجر الى أرض توفرت فيها أسباب وشرائط المواجهة الواسعة ومن مقتصر على الكتابة والكلام والتوجيه أو السخرية والتهكم وهى وسائل مغرقة فى السلمية الى غير ذلك)
والمسلمون فى الأردن حالهم نفس الحال انتهاكات كبيرة وتيار واسع يؤمن بالمواجهة لكنه يتحرك فى النطاق الدعوى المسموح أو الحديث عن واقع الدول المجاورة بغير حراك مؤثر وكل هذه وسائل سلمية متأخرة عن التظاهر والاحتشاد والانكار الجماعى .
وقل مثل ذلك عن بقية الدول التى عدو الاسلام فيها علمانى لا زال متلبسا بالسنة ومتماسك لم يحدث فيه انشقاق ولا هدم خارجى
السلمية ليست التظاهر والاحتشاد وما يصاحبه فقط لأن هذا هو قمتها لكن قاع السلمية هو الاكتفاء بالدعوة أو الكلام أو النقد أو السخرية أو الهجرة وترك البلاد بما فيها ومن فيها فقد تجد اجماعا على السلمية من الموافق والمخالف اذا نظرت نظرة اجمالية عامة لاقرار الجميع بالعجز عن التحرك الفورى المؤثر
العلمانية تحتاج الى جهد مضاعف لكشفها وتعبئة الحاضنة ضدها فهى تختلف عن اليهود والشيعة والنصيرية لأنها عدو غير متميز عن جسد أمتك لذا تفشل المواجهة أمامها وتكشف الأمة ظهر من يواجهه حتى يكون فريسة سهلة للوضع المتماسك والحاضنة المفقودة والامكانات الهزيلة
تهكم وسخرية المنتقدين للذين يرون عدم القدرة أو فقدان الحالة المواتية أو الذين لا يجدون الا جهدهم يمهدون به لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ، تهكمهم وسخريتهم لا تعفيهم من شمول العجز لهم ومن اكتفائهم بأقل درجات السلمية أو اعتزالهم التام للمعركة فى هذه الأرض وهذا الواقع واستجلابهم لتجارب فى مناطق أخرى بحيثيات وملابسات مختلفة يجعلهم أول المطالبين بتنفيذ ذلك على هذه الأرض
وليس مقنعا هنا التحجج بالغير ممن له اجتهاد مختلف فمن يؤمن بالفكرة هو المعنى بتنفيذها وهل انتظر اخواننا فى الجبهات الأخرى فى الأرض الأخرى فى الملابسات الأخرى اذنا أو دعما أو تشجيعا من المتخاذلين القاعدين أو ابتداء وانشاء ممن يسمونهم الصحوات الخائنين؟
هناك فرق بين أرض وأرض وواقع وواقع رغم أن الحال فى جميعها لا زال معقدا وأمامه مخاطر التراجع ونسأل الله أن يلهمنا واخواننا جميعا الرشد
كتبت قبل ذلك عن السلمية وأنها ليست تأصيلا دائما ولا خيارا وحيدا وأن اعتبارها كذلك ضلال مبين لكنها كخيار مرحلى وعمل تمهيدى قد تكون حكمة وحسن تصرف وخطوة متقدمة عن القعود التام واماتة القضية واسقاط الراية واراحة الخصم وتركه يستأثر بالشعب مع وهم الاستقرار ..حتى يأذن الله بالفرج مع ضرورة تطويرها وتطعيمها ووجوب السعى نحو امتلاك القوة المؤثرة بغير جعجعة اعلامية لا قيمة لها ….هذا مع وجوب نشر الوعى والتأصيل الصحيح لخيارات المواجهة لبناء جيل يعلم ما له وما عليه ويعد لعدوته عدته
وحديثى هنا هو أن من لا يرى الفرق ويرى القدرة يلزمه أن يتحرك بما يعتقد وأنه مسئول أمام الله عن الدفع عن دينه وعن المسلمين .
وقد قال أبومجلز لنفر من الاباضية عيروه بالخوف والجبن ..أنتم أولى بهذا منى لا أرى وأنتم ترون ولا تفعلون
فمن يرى توفر القدرة وتشابه الواقع وامكانية النجاح والاستمرار والتأثير ثم يفترض العجز فى نفسه هو وكل من يوافقه رغم كثرة عددهم والقدرة فى غيره من المبتلين والمشردين من اخوانه والعاملين قدر جهدهم واجتهادهم هو انسان غير جاد أو لا يصلح للبدايات والتمهيد والمناطق المغلقة المعقدة
اللهم بصرنا واخواننا وألهمنا رشدنا وفرج عنا يا أكرم الأكرمين


التعليقات