السيادة للشعب: مقولة تفسر على معنيين وهى مقولة يقولها الزنديق ويقولها الصديق
1_السيادة للشعب بمعنى : أن التشريع والتحليل والتحريم والتجريم أمر يختص بالشعب وارادته دون أى سلطة غيبية فوقه تحدد له الحرام والحلال والعقوبات والقوانين والتشريعات وأن ما توافق عليه أغلبية الشعب أنه حرام فهو حرام وممنوع وما توافقوا عليه أنه حلال فهو حلال وما توافقوا أنه عقوبة فهو عقوبة وما اختاروا أنه حرية فهو حرية سواءا عن طريق استفتائهم مباشرة أو عن طريق من يمثلهم من نواب ومشرعين …………فهذه مقولة الزنادقة من العلمانيين والليبراليين وغيرهم
2_السيادة للشعب بمعنى: أن الشعب المسلم هو صاحب السلطة والسيادة فى اختيار من يمثله ومن يحكمه وأن له حق الاحتساب والرقابة على الحاكم وأن الحاكم والسلطة فى الاسلام لا تستعبد الشعب كما يحدث فى الدكتاتوريات والامبراطوريات والملكيات وانما هى بمنزلى الخادم من السيد والوكيل من الموكل وأن الأمة هى التى تختار وهى التى تعزل وهى التى تنكر وتراقب ………..فهذه مقولة أهل الصدق والاسلام
عن الفضل بن عميرة قال: أن الأحنف بن قيس قدم على عمر بن الخطاب في وفد من العراق، وكان ذلك في يوم صائف شديد الحر وهو متحجز بعباءة يهنأ يهنأ. – يقال: هنأت البعير أهنؤه إذا طليته بالهناء وهو القطران -. ببعير من إبل الصدقة فقال: يا أحنف ضع ثيابك، وهلم وأعن أمير المؤمنين على هذا البعير فإنه من إبل الصدقة فيه حق اليتيم والأرملة والمسكين فقال رجل: يغفر الله لك يا أمير المؤمنين فهلا تأمر عبدًا من عبيد الصدقة فيكفيك هذا؟ فقال عمر: يا ابن فلانة، وأي عبد هو أعبد مني ومن الأحنف بن قيس هذا؟ إنه من ولي أمر المسلمين فهو عبد للمسلمين، يجب عليه لهم ما يجب على العبد لسيده من النصيحة وأداء الأمان
وفى رواية فقال عمر وأى عبد هو أعبد منى ومن الأحنف ابن قيس ؟ألم تعلم أنه من ولى أمرا” من أمور المسلمين كان لهم بمنزلة العبد من السيد ؟ (والاسلاميون الذين يستخدمون هذه المقولة يستخدمونها بهذا المعنى ويعنون بها رفض حكم الفرد الدكتاتور ورفض قمع واستعباد الشعوب وتعبيد لغير خالقها والاستبداد بالأمر من دونها ) لكنهم اسلاميون بمعنى أنهم يرون الخضوع لمنهج الاسلام الذى أنزله الله لقيادة الدولة وأن الشريعة الاسلامية هى مرجعية الحكم والتشريع ويسعون لهذا وهم يسلكون الوسائل التى قد نختلف أو نتفق معها من أجل الوصول الى الدولة الاسلامية التى تقاد بمنهج الاسلام الذى هو منهج الله ويتقيدون بالاسلام فى سلوكهم وعلاقاتهم الاجتماعية وحركتهم العامة وهذا التفصيل بحسب مقاصد القائلين هو الحق والاجمال والتعميم باطل وغلو فان مثل هذه المقولات يجب تفصيل معناها ومعرفة ما يريد القائل منها ثم رد المعنى الى الكتاب والسنة لمعرفة حكم الله فيها والمزايدة والاجمال ظلم وجهل
واليك نموذجا من العدل والتفصيل : يقول شيخ الاسلام عندما سئل عن بيت لابن الفارض صاحب القول بالفناء الباطل والاتحاد الكفرى وأما قوله: بيني وبينك إني تزاحمني… فارفع بحقك إنيي من البين فإن هذا الكلام يفسر بمعان ثلاثة: يقوله الزنديق، ويقوله الصديق فالأول مراده به رفع ثبوت إنيته حتى يقال إن وجوده هو وجود الحق وإنيته هي إنية الحق فلا يقال إنه غير الله ولا سوى
والفناء ثلاثة أقسام: فناء عن وجود السوى وفناء عن شهود السوى وفناء عن عبادة السوى.
فالأول: هو فناء أهل الوحدة الملاحدة كما فسروا به كلام الحلاج وهو أن يجعل الوجود وجودا واحدا.
وأما الثاني: وهو الفناء عن شهود السوى فهذا هو الذي يعرض لكثير من السالكين كما يحكي عن أبي يزيد وأمثاله وهو مقام الاصطلام وهو أن يغيب بموجوده عن وجوده وبمعبوده عن عبادته وبمشهوده عن شهادته وبمذكوره عن ذكره، وهذا غلط عظيم غلطوا فيه بشهود القدر وإحكام الربوبية عن شهود الشرع والأمر والنهي وعبادة الله وحده وطاعة رسوله فمن طلب رفع إنيته بهذا الاعتبار لم يكن محمودا على هذا ولكن قد يكون معذورا.
وأما النوع الثالث: وهو الفناء عن عبادة السوى فهذا حال النبيين وأتباعهم وهو أن يفنى بعبادة الله عن عبادة ما سواه، وبحبه عن حب ما سواه، وبخشيته عن خشية ما سواه، وبالتوكل عليه عن التوكل على ما سواه، فهذا تحقيق توحيد الله وحده لا شريك له وهو الحنيفية ملة إبراهيم ويدخل في هذا أن يفنى عن اتباع هواه بطاعة الله فلا يحب إلا لله، ولا يبغض إلا لله، ولا يعطي إلا لله، ولا يمنع إلا لله، فهذا هو الفناء الديني الشرعي الذي بعث الله رسله وانزل به كتبه….انتهى
فاياك والاجمال الذى يسوى بين العدو والصديق والمؤمن والكافر ويدخل عليك العنت وعلى الأمة الالتباس
قال ابن القيم: وعليك بالتفصيل والتبين فالإجمال والإطلاق دون بيان قد أفسدا هذا الوجود وخبطا الأذهان والآراء كل زمان
التعليقات