البيان الثانى ( رؤيتنا للأحداث ) 11 فبراير 2011

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد؛ فهذه رؤيتنا السياسية لأحداث ووقائع ثورة 25 يناير:

أولاً: إن ثورة 25 يناير هي ثورة شعبية شبابية في معظمها؛ ترفض الجبهة تحييزها في حزب أو جماعة أو مجموعة إسلامية, كما ترفض كذلك تحييزها في أي حزب أو جماعة علمانية أو يسارية؛ فلماذا نسجن هذا العمل الكبير في حيز فئوي ضيق؟, مع تأكيدنا على أن الثقافة الإسلامية تمثل ثقافة كل الأمة المصرية بشقيها الإسلامي والقبطي.

ثانياً: تعتقد الجبهة أن الحراك الثوري عندما توقف بنزول الجيش أعطى الفرصة للقفز عليه من جهات عديدة ومحاولة استثماره واقتطاف ثمرته أو إجهاضه بالدخول في مفاوضات مبكرة وغير مخولة مع النظام, ولن يحل هذه المعضلة إلا تنازل أحد الطرفين ـ النظام أو الشعب ـ عن عناده وهو ما يبدو مستحيلاً حتى الآن؛ أو تدخل طرف ثالث كالجيش للتأثير في مجرى الأحداث, ويعد تنازل الجماهير عن مطالبها انتكاسة خطيرة لمستقبل البلاد بينما يعد تدخل الجيش ردة نحو العسكرة, وبهذا يتضح أن الحل يكمن في عودة الحراك لعنفوانه المنضبط وإقصاء النظام بالتحرك نحو مؤسساته.

ثالثاً: انطلقت الثورة ضد النظام وله شقان؛ الأول: سياسي يمثله مبارك وأعمدة نظامه وقواعد حزبه, والثاني: أمني عسكري تمثله الداخلية بمؤسساتها وأفرادها, وقد بدأت الحركة الثورية بالصدام مع الذراع الأمنية له وكادت تجهز عليها لولا انسحابها وتدخل الجيش, فإذا بقي النظام بعد ذلك فإنه سيبقى بكامل أجنحته؛ وعلى هذا ينبغي أن تدعو الثورة الشعبية في مصر إلى حل الجناح الأمني أو ضمان استبدال قيادته السياسية بلا عودة.

رابعاً: كل الوعود بلا ضمانات ويمكن النكوص عنها لنظام هذا شأنه؛ فعلى سبيل المثال: تعديل المادة 76 و 77 من الدستور يمكن أن يكون شكلياً بزعم أن ممثلي الشعب هم من قرروا ذلك, وأما عدم الترشح فيمكن العودة عنه بتسيير بضعة مئات من بلطجية الحزب الوطني ثم يزعم التلفزيون المصري أنهم عدة ملايين مؤيدة لمبارك, وهكذا.

خامساً: ممارسات وسياسات النظام ثابتة ولكن بوجوه متعددة, فالحكومة التي رفضها الشعب وهي مدنية تحولت إلى عسكرية, كما لا تخلو كلمة لمبارك ونائبه من التهديد للشعب ولجموع المنتفضين, وبينما يعلن النظام رفع حالة الطوارئ يقوم بلطجيته بالبطش بالجماهير, وفي حين يزعم احترامه للمتظاهرين؛ يتهمهم بأنهم مستغلون من جهات خارجية وأنهم مثل بلطجيته يتقاضون مائة دولار ويعلفون وجبة أمريكية!!

سادساً: كل ما جري من أحداث منذ بداية الثورة وحتى الآن هو مخطط ثابت متتابع تراهن السلطة فيه على عامل الزمن, فقد واجه النظام الثورة بهدوء نسبي في بداياتها حتى صارت في أوجها في يوم جمعة الغضب فعمد إلى قمعها بقسوة أسقطت أربعمائة قتيل وآلاف الجرحى؛ وعندما قهرت الجماهير الثائرة فلول الداخلية وأجبرتها على التراجع وبدأت بحرق مقراتها, انسحبت الداخلية من كل مرافق الحياة بشكل كامل لإحداث فراغ أمني خطير؛ فخلعت لباسها الرسمي وأخذت في ترويع المواطنين في كافة ربوع الوطن بمساعدة من أطلقتهم من المجرمين في نفس اليوم, وتم إحلال قوات الجيش مكانها مما أوقف مد الثورة الجارف الذي كاد أن يجتاح نظام مبارك بشكل حاسم لتبدو في صورة اعتصام مفتوح.

سابعاً: جاء أول رد فعل من مبارك متأخراً بعد صدور حوالي عشرين بياناً من الحكومة الأمريكية في أول يوم للأحداث؛ ليعلن عن حل حكومة أحمد نظيف وتكليف أحمد شفيق ذي الصفة العسكرية مكانها ثم أخذ في التنازل بالتدريج البطيء؛ فأعلن عن تنصيب عمر سليمان نائباً له ؛ ثم إقالة أحمد عز ثم صفوت الشريف وآخرين وأخيراً الإعلان عن عدم ترشحه ليلة الثلاثاء في خطاب عاطفي استدر فيه عطف الجماهير واستنزف شفقتهم في تكتيك انسحابي عسكري لتخدير الخصم ـ وهو الشعب ـ ليعيد الكر عليه في الصباح بالخيل والبغال والحمير من ميليشيات البلطجية الجاهزة عبر سنوات التزوير والتي نزلت في مظاهرات تأييد لمبارك ثم ترويع للمتظاهرين انتهت بثمانية قتلى وآلاف الجرحى.

ثامناً: ترى الجبهة أن استمرار مبارك في الحكم حتى نهاية مدته  ـ غير الشرعية ـ لن يعني الانتقام من الشعب فحسب كما قال البعض, بل لا يجوز أصلاً قوله ولا استماعه، إذ كان من الممكن أن يقال هذا الكلام قبل الدماء الطاهرة التي أريقت وقبل أن يتحول النظام إلى كلب عقور ينهش كل بيت في مصر. أما التذرع بأن الإصلاحات تحتاج لنفس النظام لتدشينها فهو لغو لا يمكن قبوله؛ فكيف ينتظر الإصلاح من المفسدين وهل يجنى من الحنظل إلا العلقم؟!

وأما الخوف من الفراغ السياسي فهو مستحيل في بلد كمصر يكتظ بالكوادر والكفاءات الهائلة في كافة المجالات طالما تم إقصاؤها وتهميشها لصالح المنتفعين الجهلة.

تاسعاً: حيادية الجيش منقوصة فقد وقف موقف المتفرج على مذبحة يوم الأربعاء الدامي وما تلاها من اشتباكات كما حاول عدة مرات إزاحة الأبطال المحتشدين في ميدان التحرير لولا تصديهم له بدروع بشرية صامدة, ويخشى من دوره في مستقبل الأحداث إذا لم يتخذ شرفاؤه قرارا جريئا بالانحياز إلى شعبهم .

عاشراً: النظام ضعيف جداً  بدليل سرعة تهاوي أركانه أمام الضغط الشعبي كفرار نجلي مبارك وكثير من بطانتهما في أول ساعة من الأحداث ثم التضحية بالبقية الباقية ككباش للفداء عند كل مناسبة مما يعني وجوب استمرار الاحتجاجات والتظاهرات حتى ينزاح هذا النظام بشكل تام عن كاهل مصر وشعبها العظيم.

حادي عشر: من أعظم نتائج الثورة المباركة شعور شعب مصر العظيم بقيمته وكرامته وقدرته على التغيير وإقصاء الفاسدين في ملحمة تتوارثها الأجيال وتتكرس في وعيها مما يشكل مناعة ضد الظلم والفساد مستقبلاً, كما أن وجود الأمل وزوال الظلم أدى إلى عودة المحبة والوئام والتلاحم بين المصريين كظاهرة اللجان الشعبية واختفاء التحرش وغيرها من المظاهر السيئة في المجتمع كما ظهر الأمان الكامل للكنائس ودور العبادة رغم غياب الشرطة بشكل كامل.

ثاني عشر: إن إعلان ليلة أمس عن تفويض مبارك لعمر سليمان هو التفاف فج على مطالب الثورة المصرية خاصة بعد تهديد الأخير بالانقلاب على حد زعمه, وحتى الآن نلمح تفاوتاً واضحاً في موقف المؤسسة العسكرية ـ خاصة بعد البيان رقم واحد ـ مع موقف النظام البائد ورموزه, , ولهذا نرى أن على ثوار مصر الأحرار أن يتحركوا ليطوقوا كل مؤسساته وإسقاطه فوراً ونرجو ألا يتورط الجيش بما يشوه صورته الوطنية والبطولية الناصعة.

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
الجبهة السلفية بمصر


التعليقات