الطبائع والصفات الإنسانية غالبا ما تأتي على هيئة مجموعات..كل مجموعة بها صفتان -أو أكثر- متلازمتان مع بعضهما البعض، بحيث تكون أكثر المزايا لها عيوب مقابلة..وهذا مصدر للنقص الإنساني ومصدر للتكامل بين البشر في نفس الوقت! وفهم هذا الأمر مهم عند النظر للشخصيات أو الواقع سواء كان في نطاق سياسي أو اجتماعي أو شخصي..
كمثال بسيط: الطفل الذكي يكون في العادة كثير الأسئلة والنقاش وربما الجدال..وقد يكون هذا مزعجا لأهله ومتعبا لهم..لكن فهمهم لأن هذه الصفة متلازمة مع ذكائه، وأنها إن كانت عيبا فإنها مقترنة بمزية -الذكاء- لا شك يساعدهم على تقبل الأمر والتعامل معه بشكل أفضل..
في العمل والإدارة مثلا: هناك تلك الشخصية المزاجية المتقلبة، التي قد تعطيك لحظة الحماس والمزاج الجيد ما لن تأخذه من الشخصية المستقرة مزاجيا..وفي المقابل سيقترن هذا بلحظات لا تأخذ منها شيئا بسبب تلك الطبيعة أيضا! لو فهمت هذا ستقدر على تجاوز الغضب الناتج عن التقصير اللحظي إلى إدراك مفتاح تشغيل تلك الشخصية..أيضا هناك كمثال آخر البائع الماهر الذي يحقق النجاح لشركته، والذي -أيضا- لا ينفك في تعاملاته عن المراوغة والالتفاف والتي قد تجاوز الحد المسموح لتصبح كذبا، لكن في النهاية قدرته تلك هي سر مهارته، وعيبه سر مزيته!
في الزواج: الزوجة الذكية قد تكون مرهقة لك-كمثال الطفل-، وغير الذكية قد تكون مريحة ومطيعة..والمتعلمة المثقفة قد تكون أكثر اعتدادا بنفسها ورأيها..والزوج ذو الطبيعة العقلانية أو العملية قد يكون أكثر جفافا في العاطفة وهكذا..والزوج الممسك قد يؤمن لبيته مستقبلا..والمنفق الكريم قد يضيع مستقبل بيته أيضا!
حتى في الواقع السياسي أو الإسلامي تجد هذا الأمر على مستوى الجماعات والأفراد..فالكيانات الأكثر تنظيما وتماسكا -من الناحية التنظيمية-لا تتأتى لها هذه المزية بغير بعض التعصب والولاء الزائد للجماعة من الأفراد! وعلى مستوى الأفراد كثيرا ما ترى النمط الشخصي المتلازم: العبقري الذي يضيع كفاءاته بسيره منفردا ويبتعد عن أي نمط جماعي في العمل..فتكون مزيته سر عيبه..وهناك صاحب المهارات القيادية أو الإعلامية الذي عنده في المقابل حب فطري للتصدر بشكل قد يتجاوز إلى حد المرض..
الأمثلة لا تنتهي..المهم نقطتان في هذا السياق:
- ما سبق ليس تبريرا للعيوب أو قبولا لها..لكن الفهم مفيد وضروري لاكتساب المرونة الفكرية والإدارية والإنسانية..وللتعامل الصحيح مع العيوب سواء بالتجاهل لجزء منها باعتباره لازما، أو بإداراك مكامن العيوب لعلاج ما لا يمكن تجاوزه أو يمكن علاجه بناء على هذا الفهم
- ليس تلازم المزية مع العيب دائما لازم..لكن في العادة هو كذلك..والشخصيات الفائقة إنسانيا هي تلك التي توهب التوازن المدهش لتملك المزية وتترك العيب أو تحيزه جدا..وهو شيء نادر طبعا لكنه عند حصوله قد ينتج عنه شخصيات مميزة قد تترك أثرا تاريخيا!
التعليقات