تراجعت أسهم العديد من الشركات الغربية الكبرى في قطاعات اقتصادية متنوعة مثل الطيران والخدمات الفندقية على وقع ضربات فيروس كورونا، وهو ما فتح باب التخوفات لدى واشنطن والحكومات الأوروبية من قيام دول أخرى منافسة مثل الصين بشراء الشركات المنهارة بأسعار منخفضة مما يتيح لها السيطرة على قطاعات حيوية داخل الأراضي الغربية.
ومن أجل الحفاظ على سلامة الأصول والبنية التحتية الحيوية عبر تجنب بيع الشركات المندرجة ضمن القطاعات الاستراتيجية لأطراف أجنبية في ظل تدهور أوضاعها المالية، حرصت الدول الأوروبية على فحص خطط الاستحواذ وتشديد عمليات الرقابة على الاستثمارات الأجنبية، ففي شهر مايو من عام 2020 أقرت باريس قانونا يحد من العقبات التي تتيح فتح تحقيقات بشأن الاستثمار الأجنبي في الشركات الفرنسية المهمة استراتيجيا، ويقلل من حجم الحصة التي يمكن للمستثمرين الأجانب أن يستحوذوا عليها في أي شركة فرنسية دون إخطار السلطات من 25% إلى 10%. كما أعلنت باريس في 6 يوليو 2020 أنها ستحظر معدات شركة “هواوي” الصينية من جميع المباني الحكومية والقواعد العسكرية والمواقع الاستراتيجية الأخرى.
وفي بريطانيا، جرى تقديم مشروع قانون جديد للأمن القومي والاستثمار يمنح وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث حق الاعتراض على أي كيان أجنبي يسعى للاستحواذ على شركة بريطانية تمثل أعمالها أهمية للأمن القومي. ويكفل القانون لمكتب الاستخبارات الخارجية (MI6) التابع لوزارة الخارجية وشؤون الكومنولث، منفذا يمنحه صلاحيات تتيح له منع تكرار مشكلة شركة “Imagination” للتقنيات المصنعة للرقائق الإلكترونية الدقيقة، والتي استحوذت عليها بشكل قانوني في عام 2017 شركة مقربة من السلطات الصينية دون أن تتمكن لندن من فعل أي شيء لمنع الصفقة.
الكونجرس يسعى للحد من الاستثمارات الصينية
في ظل توتر العلاقات الصينية الأمريكية تقدم النائب الجمهوري بالكونجرس جيم بانكس في مايو 2020 بمشروع قانون خاص بإجراء تعديلات توسع من صلاحيات “لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة (CFIUS)”المعنية بدراسة عمليات الاندماج والاستحواذ التي يقوم بها المستثمرون الأجانب والتي يمكن أن تشكل تهديدا للأمن القومي. وذلك بهدف عرقلة جهود أي شركات تابعة للصين للاستحواذ على حصة مسيطرة في أي شركة أمريكية تشارك في أعمال البنية التحتية الحيوية ووسائل الإعلام أو أي نشاط مرتبط بالأمن القومي بحيث تظل تلك القيود قائمة حتى يتعافى الاقتصاد الأمريكي من آثار كورونا.
وسبق لإدارة ترامب في عام 2018 من أجل دعم لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة (CFIUS)” على أداء مهامها، أن كلفت “مدير الاستخبارات الوطنية (DNI)” بالعمل على ضمان حصول لجنة (CFIUS) على كافة المعلومات الاستخباراتية الاقتصادية المتعلقة ببلد منشأ رأس المال الاستثماري وكذلك أي أفراد أجانب ضالعين في صفقة معينة لشراء شركات أمريكية. فضلا عن تلقي اللجنة لمعلومات من “وكالة الاستخبارات الدفاعية (DIA)” بشأن التكنولوجيا المدنية التي يمكن استخدامها لأغراض عسكرية، والتكنولوجيا الاستراتيجية الناشئة التي تتطلب الحماية بالتوازي مع تلقي اللجنة لمعلومات استخباراتية وتحليلات اقتصادية فائقة التقنية من وكالة الاستخبارات المركزية.
ولم تكتف الإدارة الأمريكية بالتضييق على الشركات الصينية داخل الحدود الأمريكية أو منع شركة “هواوي” من المشاركة في إقامة شبكات الجيل الخامس على الأراضي الأمريكية، فقدم السيناتور الديمقراطي روبرت مينينديز في 13 أغسطس 2020 مشروع قانون يهدف إلى مساعدة دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي على تعزيز حماية بنيتها التحتية الحيوية وتشديد الرقابة على الاستثمارات الأجنبية. وسيتعين بموجب “قانون تعزيز التنافسية والشفافية والأمن في الأمريكيتين لعام 2020” على كل من وزير الخارجية الأميركي وقائد “القيادة السيبرانية الأمريكية” ومدير “وكالة الأمن القومي (NSA)”، و”مدير الاستخبارات الوطنية (DNI)”، مساعدة دول المنطقة في تعزيز قدراتها السيبرانية. كما سيجيز مشروع القانون تسخير مبلغ 10 ملايين دولار للمساعدة في إنشاء كيانات تكافئ “لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة (CFIUS)”. كما يدعو مشروع القانون كلا من وزير الخارجية ومدير الاستخبارات الوطنية ومساعدة وزير الخارجية لشؤون “مكتب الاستخبارات والبحوث (INR)” إلى تقديم تقرير عن الاستثمارات الصينية في أمريكا اللاتينية، لاسيما فيما يتعلق بالموانئ والبنية التحتية للاتصالات، ورصد العمليات العسكرية والاستخباراتية لبكين في المنطقة، بالإضافة إلى حملات التأثير التي تستهدف منظمات التنمية الدولية، مثل البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي. وسيتعين بموجب مشروع القانون أيضا على السفارات الأمريكية في المنطقة تعيين “ضباط ارتباط ” من أجل مراقبة أنشطة بكين بشكل أفضل.
اليابان على ذات الطريق
في مايو 2020 أعلن وزير المالية الياباني عن قائمة تضم 518 شركة ذات أهمية وطنية سيتم التدقيق في أي استثمار أجنبي فيها عن كثب. ويهدف هذا الإجراء إلى التضييق على صناديق التحوط (العديد منها صينية) التي كثفت أنشطتها في اليابان خلال الأشهر الأخيرة. وعلاوة على وجود شركات عملاقة مثل “سوني” و”تويوتا”، وسلاسل منتجعات صحية وفنادق في القائمة، تحتوي القائمة أيضا على شركات تعمل في قطاع الاستخبارات مثل:
- شركة الأمن السيبراني “FFRI” التي تبيع برمجية تُدعى برمجية “Yarai”، وهي برمجية خاصة بأمن نقطة النهاية أي حماية الأجهزة التي تمثل نقطة نهاية في تعامل شبكة ما، مثل أجهزة الحاسوب المحمولة واللوحية والهواتف الذكية، بالإضافة إلى المزيد من نقاط النهاية التقليدية مثل الخوادم وأجهزة الحاسوب المكتبية.
- شركة “Eltes” جروب، وهي شركة مملوكة للحكومة تأسست في عام 2016، وتعمل في مجال استخبارات الشركات.
- شركة “Alsok”، التي تعد واحدة من أكبر شركات الأمن في اليابان، ولديها أعمال في أنحاء جنوب شرق آسيا. وهي المناط بها تأمين دورة الألعاب الأولمبية بطوكيو العام المقبل، والتي لم تنعقد في العام الحالي بسبب كورونا.
تعكس تلك الإجراءات المتنوعة من واشنطن وحلفائها الخشية من توظيف بكين لتداعيات كورونا من أجل التغلغل إلى قلب الشركات الاستراتيجية الأجنبية مما يؤثر على توازنات القوى عالميا.
التعليقات