مصدر المقال: منتدى العاصمة
في أكتوبر 2020 أصدر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري) ورقة بحثية بعنوان “فهم النفقات العسكرية المصرية” للباحثة أليكساندرا كويموفا، وهي باحثة روسية تجيد اللغة العربية فضلا عن الإنجليزية، وتعمل كمساعدة أبحاث في برنامج الأسلحة والنفقات العسكرية في معهد (سيبري). وفي ظل أهمية الورقة نشر معهد سيبري نفسه نسخة مترجمة من الورقة باللغة العربية في إجراء نادر.
بذلت الباحثة جهدًا كبيرا في رصد البيانات المتاحة عن الإنفاق العسكري المصري لكنها وقعت في بعض الأخطاء عندما عالجت ميزانية قوات الأمن المركزي، وهو ما سأسعى لتناوله في هذا المقال بعد تقديم تعريف موجز بمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري)، وتوضيح التعريف الذي يعتمده للإنفاق العسكري.
معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري)
هو معهد تأسس في السويد في عام 1964 في ذكرى احتفال السويد بمرور 150 سنة دون خوضها لحروب. وتشمل دراسات المعهد قضايا متنوعة من قبيل: الأمن والصراعات، الإنفاق العسكري والتسلح، منع انتشار الأسلحة، نقل الأسلحة ونزعها، ومراقبة استخدام الأسلحة ذات الاستخدام المزدوج، والحرب الكيميائية والبيولوجية، والمناورات العسكرية، وعمليات السلام، والتكنولوجيا. ويعتمد المعهد في دراساته على مصادر المعلومات المفتوحة. ويهدف المعهد إلى فهم الشروط المسبقة اللازمة لإيجاد سلام مستقر، وحلول سلمية للنزاعات الدولية. وكذلك يشرف المعهد على عقد منتدى ستوكهولم للسلام والأمن.
وقد احتل معهد (سيبري) المرتبة الثالثة خارج الولايات المتحدة ضمن قائمة أفضل المؤسسات البحثية عن عام 2014 على مؤشر المراكز البحثية الذي تصدره جامعة بنسلفانيا.ومن أهم إصدارات المعهد الدورية (الكتاب السنوي الخاص بالسلاح ونزع السلاح والأمن الدولي). وهو إصدار يُنشَر بعدة لغات منها الروسية والصينية والأوكرانية.
وقد بدأ دوريًّا صدور النسخة العربية من الكتاب السنوي عام 2003 بالتعاون بين معهد (سيبري) ومركز دراسات الوحدة العربية. وهو ما يجعل الاطلاع عليه متاحا بسهولة للقراء باللغة العربية. كذلك يصدر المعهد دراسات متنوعة تتناول قضايا التسلح ومبيعات الأسلحة وأكبر شركات صناعة الأسلحة عالميا فضلا عن قضايا التغير المناخي ضمن قضايا متنوعة يدرسها.
لم الاحتياج إلى دراسات معهد سيبري؟
يدعو الأمين العام للأمم المتحدة جميع الدول الأعضاء بالجمعية كل عام للتبليغ بحلول 30 إبريل عن نفقاتها العسكرية في آخر سنة مالية تتوافر عنها بيانات من أجل تضمينها في تقرير الأمم المتحدة السنوي بشان الإنفاق العسكري، والذي يشرف عليه مكتب الأمم المتحدة لنزع السلاح (UNODA)[1]. إلا أن أغلب الدول العربية بما فيها مصر لا تقدم تلك البيانات حيث تعتبرها من قضايا الأمن القومي. ومن ثم لا يتاح سوى الاعتماد على تقديرات الإنفاق العسكري التي تصدرها المراكز البحثية المتخصصة مثل تقارير التوازن العسكري السنوية الصادرة عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS)، والكتاب السنوي الخاص بالسلاح ونزع السلاح والأمن الدولي الصادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبريSIPRI) وغيرها من الدراسات المتخصصة التي يصدرها معهد ستوكهولم اعتمادا على مصادر المعلومات المفتوحة.
ما المقصود بالإنفاق العسكري من منظور معهد سيبري؟
يعتمد معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري) تعريفا للإنفاق العسكري ينص على أنه يشمل التالي:
- مخصصات ومدفوعات أفراد القوات المسلحة.
- مخصصات المدنيين الذين يعملون في مؤسسات عسكرية.
- نفقات العمليات العسكرية والصيانة.
- نفقات شراء السلاح والمعدات العسكرية والذخائر.
- نفقات أعمال البحث والتطوير.
- نفقات الإنشاءات العسكرية أو تلك التي تخدم الأغراض العسكرية.
- معاشات التقاعد والضمان الاجتماعي لأفراد القوات المسلحة المتقاعدين.
- المعونات العسكرية.
- الدفاع المدني.
- نفقات القوات شبه العسكرية المدربة لتنفيذ عمليات عسكرية.
- الأوجه العسكرية للأنشطة المشتركة بين القطاعين العسكري والمدني مثل بحوث وعمليات الفضاء، والبحوث والتجارب الطبية التي لها استخدامات عسكرية، والصناعات التي تخدم كلا القطاعين..)[2].
نقد دراسة “فهم النفقات العسكرية المصرية”
في سياق تقدير الإنفاق العسكري المصري قال أليكساندرا كويموفا “يمكن لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن يدرج الإنفاق على قوات الأمن المركزي ضمن إجمالي الإنفاق العسكري في مصر. ….بما أن قوات الأمن المركزي تتبع سلطة وزارة الداخلية، يحتمل أن تكون موازنة قوات الأمن المركزي جزءًا من بند موازنة “مصلحة الأمن والشرطة” المذكورة أدنى فئة “النظام العام وشؤون السلامة العامة” في موازنة الدولة. ونظرا إلى أن 90 في المائة تقريبا من موازنة “إدارة الأمن والشرطة” مخصصة لرواتب الموظفين – الأجور وتعويضات العاملين- وأن حجم قوات الأمن المركزي يساوي تقريبا الحجم المقدر لقوات الشرطة المصرية، فيمكن الافتراض بأن نصف ما هو مخصص لأجور وتعويضات العاملين يستخدم لتمويل الأمن المركزي”. وخلصت من ذلك إلى أن موازنة الأمن المركزي في عام 2019- 2020 تقدر بنحو 14 مليار جنيهٍ مصريٍّ.
رسمت الباحثة تقديراتها بناء على افتراض أن عدد أفراد الأمن المركزي في مصر يبلغ 325 ألف فرد، وهو خطأ شائع سبق أن وقع فيه د. عمر عاشور في دراسة نشرها بمركز بروكنجز في عام 2012 عندما ذكرأن عدد عناصر الأمن المركزي يتجاوز 300 ألف فرد[3]، كما تكرر الأمر في تقرير التوازن العسكري لعام 2020 الذي ذكر أن عدد عناصر الأمن المركزي 325 ألف فرد[4].
ولكن عند التدقيق نجد أن الأرقام السابقة تتسم بالمبالغة وتقع في خطأ جوهري حيث تجمع بين أعداد عناصر الأمن المركزي وقوات الأمن التي تتبع مساعد وزير الداخلية للأمن العام، وتمثل العدد الأكبر من المجندين في وزارة الداخلية. وهي نقطة لا يفطن لها أغلب من يكتبون في الشأن الأمني المصري. فقوات الأمن المركزي بحسب تصريح صدر في مارس 2013 عن مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن المركزي اللواء أشرف عبدالله بلغ عددها 100 ألف مجند و4800 ضابطٍ[5]. أي ثلث الرقم الذي قدرته الباحثة أليكساندرا كويموفا، وبالتالي فإن حجم الموازنة الذي قدرته للأمن المركزي سينخفض إلى الثلث وفق الاعتبارات التي بنت عليها تقديراتها.
ونخلص مما سبق إلى أنه لا ينبغي التسليم للأرقام الخاصة بميزانية الأمن المركزي في الدراسات الأجنبية حيث إنها لا تعتمد على معلومات مدققة إنما يشوبها أحيانا الخلط في ظل عدم وضوح هيكلة وبنية الأمن المركزي في نظر الباحثين فضلا عن سياسة التعتيم المفروضة على ميزانيات الأجهزة الأمنية في مصر مما يدفع الباحثين لتقديم تقديرات جزافية.
الهامش
[1]– لمزيد من التفاصيل انظر: التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي، الكتاب السنوي لعام 2014 الصادر عن معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي، ترجمة مركز دراسات الوحدة العربية، ص 268، ص271.
[2]– عبدالرازق الفارس، السلاح والخبز : الإنفاق العسكري في الوطن العربي (1970-1990)، ط.1، (مركز دراسات الوحدة العربية، 1993)، ص(65، 66).
[3]– عمر عاشور، إصلاح القطاع الأمني في مصر: المعضلات والتحديات، مركز بروكنجز الدوحة، 2012، ص6.
[4]– The militarybalance- The annual assessmentofglobalmilitary capabilities and defenceeconomics, The internationalinstitute forstrategicstudies, 2020, P )348(
[5]– مدير الأمن المركزي: لم نعين حراسات على مقر”الإخوان“، الدستور، 21 مارس 2013.
التعليقات