أضواء على المخابرات الحربية

يكثر في المشهد المصري استخدام مصطلح الأجهزة السيادية. ومن بين تلك الأجهزة المخابرات الحربية، والمخابرات العامة، والأمن الوطني، والرقابة الإدارية. وسيستعرض المقال جهاز المخابرات الحربية.

جهاز المخابرات الحربية قبل 1952:

اتصف جهاز المخابرات الحربية خلال العهد الملكي بمحدودية العدد والفاعلية في ظل هيمنة الاحتلال البريطاني على الجيش المصري الذي يشرف على جهاز المخابرات الحربية. وعندما حدث انقلاب الضباط الأحرار على النظام الملكي في 23 يوليو 1952 كان عدد العاملين بالمخابرات الحربية يبلغ 15 ضابطا فقط.

ونظرا لخشية جمال عبد الناصر من حدوث انقلاب مضاد، فقد عهد إلى عضو مجلس قيادة الثورة زكريا محيي الدين بمسئولية قيادة جهاز المخابرات الحربية الذي تولى آنذاك مسئوليات الأمن السياسي داخليا وخارجيا.

تطوير المخابرات الحربية:

نظرا لضعف خبرات ضباط الجيش في الإشراف على مهام الأمن السياسي داخل البلاد وخارجها. فقد جرى الاعتماد على خبرات أجنبية لتأهيل هؤلاء الضباط. وذلك من خلال:

1- الاستعانة بخبرات ضباط الاستخبارات النازيين:

فقد أرسلت القاهرة طلبا إلى رئيس الاستخبارات بألمانيا الغربية رينهارد جيهلين للمساعدة في تدريب عناصرها. فأوفد جيلهين في عام 1953 ستة من الضباط النازيين السابقين. وهو ما أكده ضابط المخابرات المصري عبدالفتاح أبو الفضل في مذكراته مع تشديده على أن دورهم اقتصر على تدوين خبراتهم للاستفادة بها في وضع المبادئ العامة لتنظيم أسلوب عمل المخابرات المصرية.

2-الاستعانة بخبرات وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية:

طلبت القاهرة من واشنطن تأهيل عناصر المخابرات الحربية، فقدم إلى مصر في عام 1953 طاقم من السي أي إيه لتدريب أربعة من ضباط المخابرات المصريين في دورة استغرقت 8 شهور. وعقب انتهاء الدورة عُهد لاثنين من المتدربين المصريين بإعادة تنظيم مدرسة المخابرات المصرية التي عُرفت لاحقا باسم معهد العلوم الاستراتيجية، والذي اختص بتدريب ضباط الجيش والمباحث العامة، والدبلوماسيين.

3- ترجمة المراجع والكتب الأجنبية التي تتناول حرفة الاستخبارات وتوزيعها على عناصر المخابرات للاستفادة منها.

تقليص نفوذ المخابرات الحربية:

مع حدوث اضطرابات في مصنع كفر الدوار للنسيج في منتصف أغسطس 1952، قرر وزير الداخلية آنذاك جمال عبدالناصر تأسيس جهاز يتبع وزارة الداخلية ويختص بالأمن السياسي. فتأسس في ذات الشهر جهاز المباحث العامة (أمن الدولة). ثم مع  بروز تحديات خارجية تمثلها إسرائيل، فضلا عن انخراط النظام الناصري في عمليات سرية بالدول العربية لتغيير الأنظمة أو دعم قوى قومية مناهضة للاستعمار تأسس جهاز المخابرات العامة في مارس عام 1954 للقيام بتلك المهام. وبذلك تقلصت مجالات عمل المخابرات الحربية لتقتصر على الجيش وما يتعلق به.

مهام وبنية المخابرات الحربية

تتكون المخابرات الحربية المصري من عدة أجهزة ومجموعات يختص كل منها بمهام محددة من قبيل الإشراف على إجراءات تأمين التشكيلات والقيادات العسكرية، وتنفيذ إجراءات الأمن الوقائي بالقوات المسلحة، ورصد المخالفات الأمنية والسلوكية داخل الجيش. وجمع المعلومات عن الجيوش المعادية من حيث الأعداد، والتشكيلات العسكرية، والتسليح، وبيانات القادة. ومن أبرز مكونات المخابرات الحربية: 

  • جهاز الاستطلاع: يختص بمهام جمع المعلومات عن الجيوش المعادية، والمسح الجغرافي لساحات العمليات العسكرية المفترضة.
  • جهاز الأمن الحربي: يختص بتأمين المنشآت العسكرية والوثائق والأفراد. وضمان ولاء عناصر الجيش للمؤسسة العسكرية. ويشتمل على مجموعات تختص كل مجموعة بمهمة معينة مثل المجموعتين رقم (75، 77) المختصتين بالأمن الحربي والتحقيق مع المشتبه فيهم، والمجموعة (13) الخاصة بأمن الوثائق.
  • معهد دراسات العلوم الأمنية والمخابراتية: يختص بتأهيل ضباط المخابرات الحربية وتطوير مستواهم عبر انخراطهم في دورات تدريبية متخصصة.
  • جهاز الأمن للبحوث والتطوير.

ومن الأمور الملفتة أن توصيف جهاز المخابرات الحربية داخل القوات المسلحة يقتصر على توصيفها بـ (إدارة) تتبع مباشرة لوزير الدفاع، ولا توجد سلطة لرئيس الأركان على تلك الإدارة رغم أنه القائد الفعلي للقوات المسلحة. وهو ما اشتكى منه رئيس الأركان السابق سعد الشاذلي في مذكراته. ويُرجح أن الهدف من ذلك هو إضعاف قوة رئيس الأركان بسحب هذا الجهاز المعلوماتي الحساس من حيز إشرافه، مما يوجد توازنا في القوى بينه وبين وزير الدفاع.

إخفاقات المخابرات الحربية:

مُني جهاز المخابرات الحربية عبر تاريخه ببعض الإخفاقات الكبيرة. ومن أبرزها:
  • الفشل في اكتشاف تنظيم ضم عددا من طلبة الكلية الفنية العسكرية الذين حاولوا في عام 1974 الاستيلاء على الأسلحة الموجودة بالكلية، والتوجه لمقر اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي لمهاجمته أثناء تواجد الرئيس السادات به.
  • الفشل في اكتشاف انتماء رئيس قسم الاستطلاع بالأمن الحربي المقدم عبود الزمر لتنظيم الجهاد، حيث تبين أنه رئيس اللجنة العسكرية بالتنظيم الذي اغتال الرئيس السادات في أحداث المنصة عام 1981. فضلا عن الفشل في اكتشاف الضابط خالد الإسلامبولي الذي قاد تنفيذ عملية الاغتيال.

كما تجلى بوضوح تقصير المخابرات الحربية في تنفيذ الإجراءات الأمنية المقررة لتأمين المنصة.  ومن ثم أعقب اغتيال السادات تشديد جهاز المخابرات الحربية من إجراءات متابعة عناصر الجيش وبالأخص المتدينين منهم. وهو ما ساهم في زيادة نفوذ الجهاز وتوسع صلاحياته، وبروز عدد من رؤسائه لاحقا في المشهد العام مثل اللواء عمر سليمان الذي انتقل من رئاسة المخابرات الحربية إلى رئاسة المخابرات العامة، ومحمد التهامي الذي انتقل إلى رئاسة جهاز الرقابة الإدارية، وعبدالفتاح السيسي الذي انتقل إلى منصب وزير الدفاع في عهد د. محمد مرسي.

 صعود المخابرات الحربية بعد ثورة يناير

مع اندلاع ثورة يناير في عام 2011، حدثت تغيرات جوهرية في تراتبية أجهزة الأمن المصرية، فبعد أن كان جهاز المخابرات الحربية منزويا يقتصر نشاطه على القوات المسلحة وما يتعلق بها، تزايد نفوذه مع تولي المجلس العسكري للسلطة في فبراير 2011. فتولت المخابرات الحربية الإشراف على كافة أجهزة الأمن داخليا وخارجيا مثلما كان الحال عليه بعد عزل الملك فاروق في عام 1952.

وخلال فترة حكم د. مرسي تحول جهاز المخابرات الحربية إلى مركز قوة بعد تصعيد مديره عبدالفتاح السيسي لمنصب وزير الدفاع، حيث اصطحب السيسي معه مدير مكتبه بالمخابرات الحربية اللواء عباس كامل.

وبعد الانقلاب العسكري منتصف عام 2013 صارت المخابرات الحربية بمثابة اليد الباطشة للنظام، واتسع نطاق نشاطاته ليشمل التحقيق مع الموقوفين من الإسلاميين، فضلا عن إشراف المقدم بالمخابرات الحربية أحمد شعبان على إدارة ملف الإعلام لفترة من الوقت بالتوازي مع كتابته لمقالات في جريدة اليوم السابع ، تحت اسم مستعار هو (ابن الدولة)، وإشرافه على إعداد شباب البرنامج الرئاسي الذين تولوا مناصب قيادية بالدولة مثل العمل كنواب وزراء ونواب محافظين.

كما هيمن عناصر المخابرات الحربية على جهاز المخابرات العامة بشكل جلي، وبالأخص في عام 2018 مع تولي ضابط المخابرات الحربية اللواء عباس كامل لمنصب مدير جهاز المخابرات العامة. وبذلك يتضح أن نفوذ جهاز المخابرات الحربية في مصر يزداد على حساب الأجهزة السيادية الأخرى في ظل الانقلابات العسكرية باعتبار أنه يمثل الذراع الاستخبارية والأمنية للمؤسسة العسكرية.

مصدر المقال: موقع البوصلة

التعليقات