فلنتحدث قليلًا بالمصري كما يقولون، وهو حديثٌ ليس لرافضي النظام المصري بالأصالة وإنما لقطاعٍ مازال مؤيدًا له وله أسبابه بلا شك، بل ويسبغون عليه صفات القوة والعظمة والوطنية، إلى آخر ذلك.
فقد عمل النظام الحاكم ومنذ إسقاط نظام الثورة المحسوب على الإخوان على ترسيخ عدة مرتكزات أشبه بالديمومة؛ بحيث لا يمكن تغييرها أو التراجع فيها حتى لو تغير النظام.
ولنحاول الحديث بواقعيةٍ وعقلانية بسيطة ودون تحميلٍ لأيِّ موقفٍ بأي معنى، وإنما نثبت فقط بعض الوقائع كما هي ودون إبداءِ آرائنا أو انطباعاتنا بشأنها.
وهذا في رأيي هو الخطابُ الأخطر على أية سلطة دورها في الحقيقة هو تغييب وعي الجماهير، وإسكارِ العقل الجمعي أو إغلاقه في موجات من الهستيريا الإعلامية والاجتماعية، ولذلك تصب الأنظمة بشكل منتظم تلك النوعية ذات الطابع الديماجوجي والدوجمائي في سماع ووجدان الجماهير!
فقد عمل النظام الحاكم ومنذ إسقاط نظام الثورة المحسوب على الإخوان على ترسيخ عدة مرتكزات أشبه بالديمومة؛ بحيث لا يمكن تغييرها أو التراجع فيها حتى لو تغير النظام.
فتم إنفاق مليارات هائلة في مشروع قناة السويس الجديدة مع دعاية مليونية ضخمة وواعِدة بدخل سنويٍّ هائلٍ يعادل أضعافَ دخل قناة السويس عبر تاريخها.
وهذه المشاريع كما هو معلوم تُؤَسس بُناءً على دراسات جدوى فعلية وتراكمية، والتي اعترف رأس النظام بعدم معرفتها أو اعتبارها، وتخضع لتخطيطٍ إداري حددته العبقرية اليابانية الحديثة في أربعة عشر مستوى، ثم اتضح انخفاض دخل قناة السويس عمومًا عن جميع الأعوام السابقة؛ ليعترف النظام مرة أخرى أن الهدف لم يكن اقتصاديًا كما قال هو نفسه وإنما لرفع معنويات المصريين، ولا أدري هل ارتفعت أم لا؟!
وأسس النظام وجوده على العداء المجتمعي الدموي والتكفيري والانتقامي لجميع رافضيه ومعارضيه!
وفي هذا الإطار قام النظام الحاكم وفي إطار توزيع الكعك بالدنانير في العيد لكسب الاعتراف الدولي بإعادة توزيع مساحات هائلة من مياه مصر الإقليمية في المتوسط؛ لكسب ود اليونان في مواجهة التمدد التركي الرافض للنظام، مما أعطى قبرص ودولة الكيان حصة أيضًا!
وهي المساحات التي يعيد الاتفاق التركي الليبي جزءًا كبيرًا منها إلى مصر رغم معارضتها له!
ثم تخلى النظام دون أية معايير قانونية أو دستورية وبقرارات “سيادية” عن جزيرتي تيران وصنافير؛ ليصرح رأس النظام أنها ليست من حقنا ولن يَأخُذَ ماليس له كما علمته أُمُّه! مما يعني أيضًا أن أخذ السلطة كان حقًا أصيلًا له!.
ثم يأتي موضوع سد النهضة الأثيوبي والذي يشهد فشلًا تفاوضيًّا وسياسيًّا وسياديًّا وعسكريًّا خطيرًا ويهدد تاريخ مصر وحاضرها وحضارتها ومستقبلها!
وأسس النظام وجوده على العداء المجتمعي الدموي والتكفيري والانتقامي لجميع رافضيه ومعارضيه!
ولا أعني هنا ما ينسبه لخصومه فهذه مفروغ منها، إنما أشير لتلك اللاإنسانية والدعوات الحاقدة للقتل والحرق بل واعتقال وقتل أهالي خصومهم السياسيين بالجملة والذين صُنِّفوا جميعًا على أنهم إخوان، وحتى لو تصور أتباع النظام أن هؤلاء الأعداء الذين لا يوجد في إجرامهم، فما توصيف هذا العداء؟
حقًا أنا لا أهاجم الجيشَ ولا المؤسسةَ العسكرية الآن، وإنما أسألُهم فقط وبمنتهى الجدية لأفهم!
هل خصومهم أولئك كفار مثلًا؟
فهم دائمًا يدندنون على خطورة التكفير حتى للنصارى وحسن معاملة الكافر أيًا كان، أم أنهم كفارٌ من نوع خاص!
هل هم قتلة وسفاكي دماء وأعداءٌ للوطن؟
فمثل هؤلاء يُحاكَمون ويُعدَمون على أقصى تقدير ولا يُعذَّبون ولا تُنتَهكُ أعراضُهم ولا تُمَس أطفالهم وعوائلهم!
ثم يأتي السؤال المهم ليفرضَ نفسه، إذا كان دور القوات المسلحة هو حماية “الوطن” – كما يقولون – فهذا هو الوطن:
- الأرض: تيران وصنافير والمضايق مثالًا.
- والبشر: كل معارضي النظام وهؤلاء بالملايين.
- والمقدرات والثروات الاستراتيجية: كالغاز والمياه وغيرها.
ناهيك عن إغراق البلد في ديون هائلة لا يُمكن سدادُها في مدى المائة عام القادمة.
فما دور القوات المسلحة والجيش إذًا؟!
حقًا أنا لا أهاجم الجيشَ ولا المؤسسةَ العسكرية الآن، وإنما أسألُهم فقط وبمنتهى الجدية لأفهم!
انظروا لخريطة الأعداء التي رُسِمت لكم, كلها داخلية بدءًا بالإخوان ثم الإسلاميين وكل معارضٍ للنظام وانتهاءً بأهل سيناء وليس دولة الكيان المحتل المجاور لها ولا إثيوبيا!
أَلَا يوجد أعداء خارجيون مطلقًا، اللهم إلا نظام الثورة الليبية وتركيا وقطر!
التعليقات