كانت المنصورة إحدى بؤر التوتر السياسي الدائم وإزعاج النظام، كما كانت جامعتها هي أولى الجامعات التي تنتفض ضد النظام، ومازلت أتذكر -رغم صغر سني آنذاك- تلك التظاهرات العارمة في شوارعها ضد دولة الكيان وإحراق أعلامها وتمثالاً رمزياً لقائد جيش العدو، وكان ذاك اعتراضاً على اتفاقيات العار.
وقد عمل النظام على تقويض البنية المجتمعية المتماسكة من كونها دعماً لأبنائها وتفرد حراكهم؛ باستمالة رؤوس العائلات في عهد مبارك للانتماء للحزب الوطني، في مقابل عدم تهديد مصالحهم..
كما تظاهرت المدينة الباسلة ضد جيهان السادات ورفع طلابها هتافات “حكم ديان ولا حكم جيهان” وذلك خلال زيارتها أواخر السبعينيات، ثم المظاهرات ضد زوجها السادات نفسه والتي دفعته -بالإضافة لأمور أخرى- للتراجع عن زيارة المدينة.
كما اشتعلت الجامعات والشوارع والمدارس ناراً من أجل دماء سليمان خاطر ومظلومية أيمن حسن وقتل سعد إدريس حلاوة، ومشاركة مصر في حرب الخليج الثانية ضد العراق وغيرها من أحداث.
ويرجع هذا في تقديري إلى عدة خصائص ميزت المنصورة ولعلها كانت سبباً في الوعي السياسي والثقافي والتماسك المجتمعي قديماً؛ قبل أن يقضي النظام على تلك المميزات ويحولها إلى معايب ومثالب، ولعل في دراسة ماحدث ما يفيدنا كثيراً جداً في فهم كيفية إفساد الشعوب وتزييف وعيها إن لم نقل تدميره بشكل كلي.
فالمنصورة كمدينة تتكون بنسبة كبيرة من مجموعة من العائلات الأصلية أو الأسر الوافدة من الأرياف والمراكز المجاورة، كما أنها مدينة تجارية وتتركز فيها رؤوس أموال قوية للغاية، ويكفي أن تعلم أن جميع الصروح الطبية المتخصصة والذائعة الصيت عالمياً كلها بالجهود الذاتية لم تمولها الدولة بجنيه واحد.
كما كان بمدينة المنصورة ثلاثة نوادي ثقافية هامة، وهي: نادي الحوار وقصر الثقافة والجامعة.
وكان من أخطر ما فعل النظام هو إغلاق النوادي الثقافية والتي كانت تشكل منطلقات للوعي والأدب والفكر السياسي، وقام بتأميم ما تبقى منها..
وقد عمل النظام على تقويض البنية المجتمعية المتماسكة من كونها دعماً لأبنائها وتفرد حراكهم؛ باستمالة رؤوس العائلات في عهد مبارك للانتماء للحزب الوطني، في مقابل عدم تهديد مصالحهم، كما قام بتعميق الفجوة بين الطبقات ثم تجنيد البلطجية والمسجلين من الأحياء الشعبية مثل كفر البدماص وعزبة الشال والمنصورة القديمة مثل سوق ستوتة ومنطقة الحوار وغيرها؛ كأدوات بيد النظام.
وكان من أخطر ما فعل النظام هو إغلاق النوادي الثقافية والتي كانت تشكل منطلقات للوعي والأدب والفكر السياسي، وقام بتأميم ما تبقى منها، وقد انعكس ذلك على المستوى الفكري والثقافي ودرجة الوعي بلا شك، حتى رأينا هذه المدينة الواعية الثائرة المثقفة وهي تنحدر في أسوأ دركات العنف والجهل والبلطجة في أحداث ما قبل وما بعد الانقلاب مباشرة.
التعليقات