هل قرأ السيسي كتاب الأمير؟

من يتابع خطابات السيسي عن كثب سيجد أنه يتبع الكثير من الإرشادات والتعاليم الواردة في كتاب الأمير الذي دونه الإيطالي ميكافيللي في القرن السادس عشر الميلادي.

دور ميكافيللي في التنظير السياسي

تأثرت الأفكار السياسية لميكافيللي (1469-1527)بالأوضاع السياسية التي عاش فيها حيث عاصر فترة اضطراب وتفكك وصراع سياسي بين الإمارات والممالك والدوقيات الإيطالية في حين كانت مناطق أخرى في أوروبا قد تجسدت فيها دول متماسكة مثل فرنسا وإسبانيا وإنجلترا، مما جعل ميكافيللي يركز على ضرورة توحيد إيطاليا بغض النظر عن الأساليب المتبعة في تنفيذ ذلك، وكتب في سياق ذلك كتابه الشهير “الأمير” الذي وجهه إلى الأمير ” لورنزو دي ميديشي” حاكم فلورنسا.

ويمكن القول بأن ميكافيللي وضع بذرة المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية، والتي ترى بأن طبيعة الإنسان ثابتة تتسم بالأنانية وحب الذات، وأن الصراع بين البشر أمر حتمي..

كان ميكافيللي شخصا ينطلق من تفاصيل الواقع الذي يعيشه، ومستدلا بالأمثلة التاريخية لاستخراج قواعد عامة ونصائح عملية يوجهها للحكام كي يتبعونها من أجل النجاح في العملية السياسية، وتحقيق وحدة الدولة، وفرض السيطرة عليها.

قبل ميكافيلي كانت التنظيرات السياسية تدور حول دولة المدينة كما هو الحال عند الإغريق أو دراسة الإمبراطوريات كما هو الحال لدى منظري الحضارة الرومانية أو دراسة العلاقة والتداخل بين مؤسسات الدولة والكنيسة كما هو الحال لدى منظري العصور الوسطى في أوروبا، بينما قدم ميكافيللي تنظيرات تشابه النظريات السياسية الحديثة التي تدرس الدولة وعلاقاتها الداخلية مع رعاياها والخارجية مع الدول الأخرى.

ويمكن القول بأن ميكافيللي وضع بذرة المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية، والتي ترى بأن طبيعة الإنسان ثابتة تتسم بالأنانية وحب الذات، وأن الصراع بين البشر أمر حتمي. ونظرا لأن أطروحات ميكافيللي السياسية في كتابه (الأمير) تعالج العقبات التي تواجه الحكام بغض النظر عن أخلاقية الوسائل التي يتبعونها لتجاوز العقبات، فقد حظيت أطروحاته بتفاعل كبير من الساسة، وصولا للدرجة التي دفعت الديكتاتور الفاشي الإيطالي بينيتو موسوليني إلى طباعة وتقديم كتاب الأمير لميكافيللي بقلمه.

الأخلاق والسياسة والدين

انطلق ميكافيللي في تنظيراته من منطلق عقلاني مادي بحت يركز على البعد السياسي الذي يهدف لتمكين الحاكم من الحفاظ على ملكه، ويتلخص في أن الحاكم إذا كان يريد تحقيق أهداف معينة، فعليه اتباع الوسائل التي تحقق له أهدافه بغض النظر عن أخلاقية تلك الوسائل من عدمها.

كما شدد ميكافيلي على أهمية تمسك الحاكم بالدين الذين يعتنقه مواطنوه، لا لأهمية الدين الذاتية، إنما باعتباره أداة وظيفية تساهم في الحفاظ على تماسك المجتمع ووحدة الدولة.

وجادل ميكافيللي بأن للنفس البشرية طباعا ثابتة تميل للشرور وحب الذات، وبالتالي فلا يشترط في الحاكم أن يكون صالحا متصفا بالفضائل، فهناك أمثلة تاريخية لحكام ناجحين اتصفوا بغير ذلك، ومن ثم قال بأن على الأمير أن ينكث بعهوده إذا كان ذلك يصب في مصلحته بذريعة أن الأصل في الناس أنهم أشرار لا يحفظون العهود.

كما دعا ميكافيللي الأمراء إلى عدم الخشية من المعايب التي يصعب في غيابها الاحتفاظ بالملك زاعما أن كثير من الأمور التي تظهر أنها فضائل قد تؤدي إلى الخراب إذا ارتكبها الحاكم، في حين أن كثير من الأمور التي تبدو كرذائل قد تحقق الخير والسلامة. كما دعا ميكافيللي الأمراء إلى استعمال القسوة المحسوبة بدقة من أجل الاحتفاظ بهيبتهم واحترامهم لدى الشعب والجنود. وشدد على أهمية أن يذاع عن الأمير اتصافه بالفضائل مثل التقوى والرحمة والأمانة حتى لو كان الأمير يتصف عمليا بعكس ذلك. بل وأضاف أن اتصاف الأمير بكل الفضائل أمر يمثل خطرا كبيرا، فالمهم هو الظهور بمظهر المتصف بها.

كما شدد ميكافيلي على أهمية تمسك الحاكم بالدين الذين يعتنقه مواطنوه، لا لأهمية الدين الذاتية، إنما باعتباره أداة وظيفية تساهم في الحفاظ على تماسك المجتمع ووحدة الدولة.

تجليات الأمير لدى السيسي

عندما نقارن إرشادات ميكافيللي في كتابه (الأمير) بممارسات السيسي سنجد تشابها كبيرا، فالسيسي دائما يركز في خطاباته على وصف نفسه بالأمانة والصدق والوفاء بالعهد رغم أنه يتصف بعكس ذلك تماما، ومن أمثلة ذلك حديثه وقت الانتخابات الرئاسية الأخيرة بأنه كان يود أن يصبح عدد المرشحين أمامه أكثر من فرد واحد (موسى مصطفى موسى) رغم أن السيسي ألقى القبض على الفريق سامي عنان والعقيد أحمد قنصوة عندما أعلنا رغبتهما في الترشح للانتخابات. وكذلك نجد مثالا آخر في حديثه عن عدم تخفيف إجراءات الدعم الحكومي المقدم للمواطنين قبل إغناء المواطنين، وهو ما لم يحدث بل جرى تقليل الدعم وتزايدت شريحة الفقراء في عهده.

نجد أن السيسي يبرر ممارساته دائما بأنها تهدف إلى الحفاظ على وحدة الدولة وبقائها مشددا على أنه يخوض حرب وجود للحفاظ على الدولة حتى لا تنهار مثل الدول الأخرى المجاورة…

أما حديثه عن ضرورة ترشيد النفقات ثم تبذير أموال الدولة في مظاهر شكلية ومنافع شخصية فأكثر من أن تُعد، فرغم حديثه عن أن الدعم الذي تقدمه الدولة للمواطنين يستنزف الموازنة العامة، وأن مرتبات الموظفين زادت من 70 مليار إلى 220 مليار عقب الثورة وأن هذا يستوجب تخفيض عدد الموظفين من 7 مليون موظف إلى مليون موظف فضلا عن ضرورة تقليل النفقات الحكومية. نجد أنه أنفق مليارات الجنيهات على بناء قصور سكنية جديدة، وإقامة مؤتمرات شباب دورية كل بضعة شهور لا مردود إيجابي من ورائها على المواطنين.

أما حديثه عن سيادة القانون وعدم وجود معتقل سياسي واحد في مصر، فيتناقض مع ظاهرة الإخفاء القسري، ووجود آلاف السجناء السياسيين بالسجون، ومقتل مئات المعارضين سنويا خارج نطاق القانون حيث بلغ عدد من أعلنت وزارة الداخلية مقتلهم في اشتباكات مزعومة خلال عام 2019 فقط قرابة 177 شخصا. فضلا عن حرصه على الظهور بمظهر الإنسان المتدين رغم قمعه للتيارات الإسلامية في مصر.

وفيما يرى ميكافيللي أن مصالح الدولة لها الأسبقية على الاعتبارات الأخلاقية الأخرى، وفي سبيل تحقيق مصالح الدولة لا ينبغي النظر في ما هو عادل أو غير عادل. نجد أن السيسي يبرر ممارساته دائما بأنها تهدف إلى الحفاظ على وحدة الدولة وبقائها مشددا على أنه يخوض حرب وجود للحفاظ على الدولة حتى لا تنهار مثل الدول الأخرى المجاورة. وكذلك برر بنائه للقصور بأنها ليست لشخصه إنما لمصلحة الدولة المصرية. وفي هذه النقطة قد يكون السيسي تجاوز ميكافيللي الحريص على مصلحة دولته بالفعل لا مصلحة الحاكم فقط.

الخلاصة

إن تعاليم ميكافيللي السياسية لم تكن جديدة على البشرية، فأغلب الأمراء والحكام قاموا بأعمال تماثل نصائح ميكافيللي على مدار التاريخ، لكن الإضافة التي قدمها ميكافيللي في كتابه (الأمير) تتمثل في تنظيم وتأطير تلك الممارسات في طرح سياسي يمكن من خلاله للقارئ أن يفهم ويحلل ممارسات الحكام الديكتاتوريين وسلوكياتهم.

مصدر المقال: موقع البوصلة

التعليقات