تنامت الأدبيات الغربية المعنية بمكافحة التمرد خلال العقدين الأخيرين، حيث أصدرت العديد من الجيوش الغربية أدلة لمكافحة التمرد مثل أميركا وبريطانيا وفرنسا وصولا لإصدار حلف الناتو دليلا لمكافحة التمرد في عام 2016. ولكن تظل الأدبيات الأمريكية في هذا المجال من أكثر الأدبيات الغربية إسهابا وتفصيلا. وسأستعرض بشكل موجز في هذا المقال أبرز مبادئ مكافحة التمرد التي تنص عليها الأدبيات الأمريكية في هذا المجال.
1- الشرعية هي الهدف الرئيسي
يتمركز الصراع بين الحكومات والجماعات المتمردة حول الشرعية في أعين الجماهير، هل هي من نصيب الحكومة أم المتمردين؟. فجميع الحكومات تحكم عبر مزيج من القبول والإكراه. وتوصف الحكومات بأنها شرعية من خلال موافقة المحكومين عليها، أما تلك التي توصف بأنها غير شرعية، فتميل للاعتماد بشكل أساسي أو كلي على الإكراه، ويطيع المدنيون في هذه الحالة الحكومة خشية عواقب القيام بأعمال معارضة بدلا من قبولهم لحكمها طوعيا أو اختياريا.
وحسب المنظور الأميركي، توجد ست مؤشرات محتملة للشرعية يمكن استخدامها في تحليل التهديدات الموجهة للاستقرار، وهذه المؤشرات متكاملة وليست منفصلة عن بعضها البعض، وتشمل التالي:
- القدرة على توفير الأمن للسكان (بما في ذلك الحماية من التهديدات الداخلية والخارجية).
- اختيار القادة دوريا بطريقة يعتبرها معظم السكان عادلة ونزيهة.
- مستوى عالي من المشاركة الشعبية في الممارسات السياسية وفي دعمها.
- مستوى مقبول ثقافيا من الفساد.
- مستوى ومعدل مقبول للتنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
- مستوى مرتفع لقبول النظام الحاكم من قبل المؤسسات الاجتماعية الرئيسية.
2- ضرورة توحيد الجهود
لابد أن يكون لأحد قادة مكافحة التمرد السلطة على جميع الأجهزة الحكومية المشاركة في عمليات مكافحة التمرد حيث ينبغي أن يحضر مبدأ “وحدة الجهود” في كل مستوى من مستويات عملية مكافحة التمرد وإلا فإن الأعمال التي تعمها الفوضى ستقوض بعضها بعضا، كما قد تتيح الفرصة للمتمردين لاستغلال نقاط الضعف.
وحتى في حال المنظمات غير الحكومية التي تعمل في مناطق الصراع وتأبى التورط بصورة علنية مع قوات مكافحة التمرد، فيكون من المهم بذل الجهود لإقامة نوع من التواصل معها للتأكد قدر المستطاع من تشارك الأهداف وتزامن الرسائل.
3- العوامل السياسية أمر أساسي
العوامل السياسية لها الأولوية في مكافحة التمرد حيث يتعين على القادة دراسة كيفية مساهمة العمليات في تقوية شرعية حكومة الدولة المضيفة وتحقيق الأهداف السياسية الأمريكية. فالأعمال العسكرية التي تُنفذ دون تقييم آثارها السياسية، تؤدي في أفضل الأحوال إلى انخفاض الفاعلية، وفي أسوأ الأحوال تكون غير مجدية. فالتخلص من معظم التمردات يتطلب حلا سياسيا، ومن ثم فمن الملح ألا تؤدي أفعال قوات مكافحة التمرد إلى إعاقة تحقيق هذا الحل السياسي.
4- ضرورة فهم قوات مكافحة التمرد للبيئة المحيطة
تعتمد إدارة عمليات مكافحة التمرد بنجاح على الفهم الكامل للمجتمع وللبيئة الثقافية للسكان في منطقة العمليات، وهو ما يشمل فهم:
- تنظيم المجموعات الكبرى في المجتمع.
- العلاقات وحالات التوتر بين المجموعات السكانية المتنوعة.
- الأيديولوجيات والسرديات القصصية التي ترددها المجموعات السكانية.
- قيم المجموعات السكانية، والاهتمامات، والدوافع.
- الوسائل التي تستخدمها المجموعات للتواصل فيما بينها.
- نظام القيادة في المجتمع.
5- جوهرية العمليات الاستخباراتية
بدون استخبارات جيدة، ستبدو قوات مكافحة التمرد كملاكم أعمى يبدد طاقته ضد خصوم غير مرئيين، وربما تتسبب في أضرار غير مقصودة. ومع وجود استخبارات جيدة، ستبدو قوات مكافحة التمرد كجراح يستأصل الأنسجة السرطانية ويحافظ على سلامة الأعضاء الحيوية الأخرى. ومن ثم فمن الضروري صياغة العمليات الفعالة عبر استخبارات مناسبة، ومحددة، وموثوقة تُجمع وتُحلل عبر أدنى مستوى ممكن، وتُنشر بين جميع أفراد قوات مكافحة التمرد.
6- يجب عزل المتمردين عن قضيتهم، وعن الدعم
من السهل عزل أي تمرد عن موارده وتركه يتلاشى بدلا من قتل كل متمرد. فحسب المنظور الأميركي، يكون قتل أو أسر المتمردين ضروريا بالأخص عندما يعتمد التمرد على التشدد الديني أو الأيديولوجي. ومع ذلك فإنه يتعذر قتل كل متمرد. كما أن الشروع في تنفيذ ذلك قد يؤدي إلى نتائج عكسية في بعض الحالات، حيث يخاطر بإثارة غضب السكان، كما يسفر عن ضحايا يلتف حولهم المجندون الجدد، وينتج دوائر مغلقة من عمليات الثأر والانتقام. ولذا تعمل قوات مكافحة التمرد الماهرة على قطع مصادر القدرة على تعويض الخسائر حيث يمكن تحجيم بعض هذه المصادر عبر معالجة المظالم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تشعل جذوة التمرد. كما يمكن قطع الدعم المادي عن التمرد عبر السيطرة على السكان، وتأمين الحدود.
7- الانتقال من طور العمليات القتالية إلى حيز تنفيذ القانون بأسرع وقت ممكن
فعندما يُنظر للمتمردين كمجرمين، فإن هذا سيعزز فقدهم للدعم الجماهيري. فتعامل النظام القانوني مع المتمردين كمجرمين يعزز شرعية حكومة الدولة المضيفة. ورغم ذلك ينبغي مراعاة الوصول إلى الحد الأدنى من مستوى العنف من أجل تمكين قوات الشرطة من الحفاظ على النظام قبل أي عملية انتقال، وإلا فإن قوات مكافحة التمرد لن تتمكن من تأمين السكان، وقد تفقد الشرعية التي اكتسبتها .
8- وجوب استعداد قوات مكافحة التمرد و تأهبها للالتزام طويل الأجل.
إن التمردات تكون طويلة الأجل عادة. ولذلك، تتطلب عمليات مكافحة التمرد إنفاق قدر كبير من الوقت والموارد. وقد يفضل المواطنون حكومة الدولة المضيفة على المتمردين، ومع ذلك فإن المواطن لا يدعم بنشاط أي حكومة ما لم يصل إلى قناعة بأن قوات مكافحة التمرد لديها من الوسائل والقدرة والإرادة ما يمكنها من الفوز. ومن المهم على المستوى الاستراتيجي، كسب الدعم الشعبي الأمريكي لعملية الانتشار العسكري طويلة الأجل، والحفاظ عليه لمدة طويلة.
9- إدارة المعلومات والتطلعات
إن كل من المعلومات والتطلعات يرتبطان ببعضهما البعض. ومن أجل العمل على بناء الدعم للحكومة، تعمل حكومة الدولة المضيفة وأي جهة تساعدها في مكافحة التمرد على بناء مجموعة من التطلعات الواقعية والحفاظ عليها. وينبغي على جميع الوكالات الأمريكية التي تحاول بث الحماس بخصوص الجهود التي تبذلها، أن تتجنب قطع أي وعود غير واقعية. ففي بعض الثقافات، يُفسر العجز عن الوفاء بالوعود وتحقيق النتائج المطلوبة على أنه خداع متعمد. وفي ثقافات أخرى، تفسر الوعود المبالغ فيها على أنها طبيعية ولا يتوقع المواطنون الوفاء بها. ولابد أن تتفهم قوات مكافحة التمرد بشكل جيد الأعراف المحلية.
وتتضمن إدارة التطلعات عرض التقدم المحرز على الصعيد الاقتصادي والسياسي من أجل أن يرى السكان مدى تحسن الحياة. فزيادة عدد الأفراد الذين يشعرون بأن لهم نصيب من النجاح الذي تحرزه الدولة والحكومة يمثل أساسا للنجاح في عمليات مكافحة التمرد. وفي نهاية الأمر، يتحقق النصر بمفهومه الواسع، عبر اقناع السكان بأن حياتهم تسير نحو الأفضل تحت قيادة حكومة الدولة المضيفة أفضل مما لو كانوا تحت حكم المتمردين.
10- استخدام المستوى المناسب من القوة
إن أي استخدام للقوة يولد مجموعة من ردود الأفعال. و ينبغي على قوات مكافحة التمرد أن تحسب بعناية نوع وكمية القوة التي يلزم استخدامها. فالعملية التي يُقتل فيها خمسة متمردين ستأتي بنتائج عكسية تماماً في حالة ما إذا أدت الأضرار الشاملة التي نتجت عنها إلى استقطاب خمسين متمردا أو أكثر.
11- التعلم والتكيف
كل فصيلة عسكرية تحتاج إلى القدرة على إبداء الملاحظات، وتعلم وتطبيق الدروس المستفادة، وتقييم النتائج. ومن ثم يتعين على القادة تطوير نظام فعال يعمل على تعميم أفضل الممارسات ضمن منظومة قيادتهم.
12- منح الصلاحيات للمستويات الأدنى
عادة ما يستوعب القادة المحليون الأوضاع في منطقتهم بشكل أفضل. وبرعاية القادة الأعلى، يمكنهم استخدام الموارد المطلوبة من أجل تنفيذ العمليات الاستخبارية اللازمة في الوقت المناسب، وتنفيذ عمليات تكتيكية فعالة، وإدارة العمليات الاستخباراتية والعمليات المدنية – العسكرية. وهكذا تصبح عمليات مكافحة التمرد الفعالة لا مركزية تفوضها القيادة العليا إلى مرؤوسيها من أجل دفع أكبر قدرات ممكنة إلى المستويات الدنيا. فلابد أن تتمكن قوات مكافحة التمرد من التكيف والتفاعل على الأقل بنفس سرعة المتمردين.
13- تقديم الدعم إلى الدولة المضيفة
في الوقت الذي قد يكون فيه من الأيسر على الوحدات العسكرية الأمريكية أن تنفذ عملياتها بنفسها، فمن الأفضل أن تعمل على تقوية القوات والمؤسسات المحلية، ثم مساعدتها بعد ذلك. بحيث تتحمل حكومات الدول المضيفة المسئولية الأخيرة عن حل مشاكلها مما يعزز شرعيتها في أعين الجماهير.
التعليقات