وماذا بعد وقد غيب الموت عنا وجهاً جديداً من وجوه الخير، تلك التي يصدق فيها قول من قال:
وجوه أطال المكث من بعدها الدجى
وكانت تنير الصبح و هي كواكبه
شيخ لم يأكل يوماً من حلواء الظالمين، ولم يترخص يوماً في عزيمة، ولم يخن الأمة ولا باع الملة، صادعاً بالحق -والحق يصدع رؤوس الظالمين- عالماً به عاملاً بمقتضاه.
كفى الحقَ أن نفى المنافقين عن جنباته، ونفض الخائرين والخائنين والمتخاذلين والفاسدين عن جنابه، فما برهامي وما القوصي وما رسلان وغيرهم من العوالق؟
انظروا إلى كل هؤلاء المحزونين، والبكائين على الشيخ فوزي كما الثكلى، فليهنك العز والفخار وشهادة المؤمنين لكم بلسان الصدق الذي لم يكن إلا لقليل من الناس..
لقد تصاغروا وانمحى ذكرهم أمام جبال كفوزي السعيد ورفاعي سرور وعمرو عبد اللطيف وعمر عبد الرحمن وغيرهم من علماء المسلمين وكبرائهم.
أولئك الذين استشهدهم الله للرسول ﷺ مع ذاته العظيمة وأولئك شهداء الله على الناس كما قال في سورة الرعد: (قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب).
كما وأنهم هم الذين لم يجعلونا نفقد يقيننا بعظمة هذا البلد يوماً من الأيام ولا بقدرته على إنجاب العلماء والقادة والمجاهدين، فهم مفاخر أهل مصر وشاهد الصدق لعظمة هذه الأرض وقدرتها على إخصاب الأرحام وإنجاب أولي النهى والألباب، فليست كما زعم الذين لم يروا إلا شرارها حين أضلهم الله عن خيارها.
شيخ أثبت بموته -كما بحياته- أن العالم العامل القدوة، والزاهد المجاهد الناصح؛ هو النموذج الأصلي لا الزائف لعلماء المسلمين كما في عصور أمتنا الزاهرة وصدرها الأول، وأن سعيد بن جبير لم يكن قصة يتسلى بها القُصاص أو يشغلون بها مجالسهم، ولا العز بن عبد السلام كان أسطورة صوفية، ولا ابن تيمية كان دعوى حنبلية.
انظروا إلى كل هؤلاء المحزونين، والبكائين على الشيخ فوزي كما الثكلى، فليهنك العز والفخار وشهادة المؤمنين لكم بلسان الصدق الذي لم يكن إلا لقليل من الناس، فما كل من اعتلى المنابر خطيبها، ولا كل من ادعى العلوم عليم.
سلام على فوزي السعيد وأمثال فوزي السعيد وإخوان فوزي السعيد، سلام على أحرار بلادي ورجالها ونسائها، سلام على أمة ما عقمت أن تلد مثلك بعد.
التعليقات