التوبة والانتكاس

كانت توبة الفنانات وارتدائهن الحجاب دوماً مثاراً للجدل؛ ربما لكونهن من الوجوه العامة وقد قُدِمنَ للناس قدوات للتأسي حيناً من الدهر، وربما لشهرة بعضهن بِشَرٍ وقد بدلت حسناً بعد سوء، وربما للإعجاب بهن وتعلق قلوب البعض بجمالهن ولو كان -أولئك البعض- من أهل الاستقامة لرسوب من رواسب الجاهلية في قلوبهم؛ أيا ما كان فالقوم يفرحون ويهللون ويهشون لهن ولحجابهن، وكعادتنا لا نحسن الاعتدال في شيء.

وإن أصول أمراض القلوب مركوزة في نفوس البشر جميعاً جذورها وفروعها وهي حظ الشيطان من ابن آدم خلا من شرح الله صدره ووضع عنه وزره ﷺ، وإن التوبة يا عباد الله قد تَجتث الأصل والفرع منها، وربما تمحو الظاهر وتذر الباطن ما لم تتعهد تلك النفوس بالتربية يد حانية…

ثم يأتي دور قادة الردة وحراس الفتنة وأشحة الخير والأشحة عليكم، أولئك الذين يبغونها عوجاً، ويبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم، فيزعمون أنهن أجيرات فلم يعرفونهن يوماً إلا مستأجرات وليست الثكلى كالمستأجرة، فيقرون على أنفسهم أن الحجاب غالٍ تدفع فيه الأموال، بينا العري رخيص وبالمجان في كل مكان.

وكثيراً ما تكون هذه الحفاوة المبالغ فيها هي أول الضرر بهؤلاء التائبات العائدات ومعظم النار من مستصغر الشرر، خاصة أن كثيراً منهن قد اعتدن التصدر والتقدم، فلمَّ لا تستبدل وجاهة الفن بصدارة الالتزام؟

ولمَّ لا تفتي وتقول رأيها في الدين بل ربما في كل شيء، وقد أصبحت علماً على التدين وراية للحرب في معركة أصحاب الرايات الخضر في مواجهة صويحبات الرايات الحمر؛ هن ومن ورائهن؟

وينسى أو يغفل أولئك الذين صدروهن في هذه المعركة -المهزلة في الحقيقة- أنهم يرتكنون على جدر غاية في الهشاشة، وأنهم يقدمون في معركتهم تلك امرأة، ولا يفلح قوم فعلوا، خاصة أنها ليست أي امرأة وإنما شيء ضعيف خرج لتوه من مصانع الهشاشة وابتذال المرأة وامتهانها وتدمير كيانها الشفيف الذي حدثنا الله عنه في كتابه وقد نُشِّئَ في الحلية وهو في الخصام غير مبين!!

وإن أصول أمراض القلوب مركوزة في نفوس البشر جميعاً جذورها وفروعها وهي حظ الشيطان من ابن آدم خلا من شرح الله صدره ووضع عنه وزره ﷺ، وإن التوبة يا عباد الله قد تَجتث الأصل والفرع منها، وربما تمحو الظاهر وتذر الباطن ما لم تتعهد تلك النفوس بالتربية يد حانية، أو يقدر الله لها خيراً بما علم فيها من خير أو أراد بها، فتوشك أن تنبت نباتها ولو في غير هيئتها الأولى، فيصبح العجب بالستر لا بالعري، ويصير حب العلو على منابر الوعظ بديلاً لمنابر الخنا والعهر، إذ العجب كله عجب والعلو كله علو، والعجب والعلو شر كله.

سلوا الله العافية واعتدلوا وخوضوا معركتكم بكلمات الله وأوامر الله ودعوكم من مبالغات وافتعالات من لا عقول لهم..

وإنه صح عن رسول الله ﷺ في الحكمة وهو من حديث حذيفة رضي الله عنه أنه قال: (تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه).

سلوا الله العافية واعتدلوا وخوضوا معركتكم بكلمات الله وأوامر الله ودعوكم من مبالغات وافتعالات من لا عقول لهم، أولئك الذين يزعمون أن ما جعله الله للستر هو نفسه مظهر الجمال وأصحاب أمثلة الحلوى والذباب، قولوا للناس:
هذا أمر الله وما كان لكم الخيرة من أمركم فأنتم عبيد لله -لا ندماء له سبحانه- وهدفكم هو تعبيد الناس لربهم، وقولوا لهم: هذا قول الله ومن أحسن من الله قيلاً؟


التعليقات