أثار المنشور السابق الذي اعتبرت فيه انتخاب الدكتور مرسي والمطالبة بعودته من قبيل الممكن (عمليًا) الذي نسعى فيه لإقامة المفروض (شرعًا).. موجة من الاستياء لدى أولئك الذين يعتبرون أن من شارك في الانتخابات فقد رضي بالكفر وتحكيم غير شرع الله.. وأن هذه وسيلة شركية تؤخر نصر الله وتحول دون التمكين لدينه..
و إن كنت أحمد لأولئك غيرتهم على دينهم.. ولكن أدعوهم للرفق بإخوانهم الذين يقفون في مواجهة المتنكرين لشرع الله من العلمانيين.. وليلتمسوا لهم العذر باجتهادهم المستند إلى كتاب الله.. (وإن كان خطأ من وجهة نظرهم).. فقد قال بمثله من هو أعلى رتبة في العلم (منا جميعا) وأرسخ قدما في الأصول والتفسير.. بل وأنزله على واقعنا المعاصر.. فإن قلت أنى بهذا العالم؟ قلت: إليك كلام العلامة الإمام السعدي في تفسيره.. فقد استنبط من قوله تعالى حكاية عن شعيب عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْت) ما نصه: ومنها: أن وظيفة الرسل وسنتهم وملتهم إرادة الإصلاح بحسب القدرة والإمكان فيأتون بتحصيل المصالح وتكميلها أو بتحصيل ما يقدر عليه منها وبدفع المفاسد وتقليلها.. ويراعون المصالح العامة على المصالح الخاصة.. وحقيقة المصلحة هي التي تصلح بها أحوال العباد وتستقيم بها أمورهم الدينية والدنيوية.. ومنها: أن من قام بما يقدر عليه من الإصلاح لم يكن ملوما ولا مذموما في عدم فعله ما لا يقدر عليه.. فعلى العبد أن يقيم من الإصلاح في نفسه وفي غيره ما يقدر عليه. ثم استنبط من قوله: (قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ) ما نصه: ومنها: أن الله يدفع عن المؤمنين بأسباب كثيرة قد يعلمون بعضها وقد لا يعلمون شيئا منها.. وربما دفع عنهم بسبب قبيلتهم أو أهل وطنهم الكفار كما دفع الله عن شعيب رجم قومه بسبب رهطه.. وأن هذه الروابط التي يحصل بها الدفع عن الإسلام والمسلمين لا بأس بالسعي فيها.. بل ربما تعين ذلك لأن الإصلاح مطلوب على حسب القدرة والإمكان.. فعلى هذا لو ساعد المسلمون الذين تحت ولاية الكفار وعملوا على جعل الولاية جمهورية يتمكن فيها الأفراد والشعوب من حقوقهم الدينية والدنيوية لكان أولى من استسلامهم لدولة تقضي على حقوقهم الدينية والدنيوية وتحرص على إبادتها وجعلهم عمَلَةً وخَدَمًا لهم.. نعم إن أمكن أن تكون الدولة للمسلمين وهم الحكام فهو المتعين ولكن لعدم إمكان هذه المرتبة فالمرتبة التي فيها دفع ووقاية للدين والدنيا مقدمة.. والله أعلم. فالإمام السعدي لم يجعل كل ما كان من نظام الكفار كفرًا.. فليس معنى أن العلمانيين الديمقراطيين يتبنون النظام الجمهوري ويعتمدون الانتخابات كوسيلة يعبر بها الشعب عن رأيه.. أن يكون ذلك كفرًا كما هي علمانيتهم.. وإن لم يقر بها نظامًا إسلاميًا خالصًا.. لله درك يا إمام..
التعليقات