أوضح الدلالات في شرح الورقات

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الهادي الأمين، وعلى آله وصحابته وورثته من العلماء النجباء أولى الصبر واليقين، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد.

فقد اشتدت الحاجة إلى علم أصول الفقه في عصرنا الذي كثرت فيه دعاوى العلم من أبناء الإسلام، وتكاثرت شبهات أعدائه.

فقواعد هذا العلم هي أدوات الفقيه التي يبني عليها اجتهاده في معرفة أحكام الشرع واستنباطها من أدلته، وهي مقياس طلاب العلم لفهم مآخذ العلماء والترجيح بين مذاهبهم في المسائل الفقهية، وهي المعيار الذي يُرد إليه فهوم الناس في أدلة الشرع، فتصحح به الأقوال المعتبرة شرعًا، وتبطل به التأويلات الفاسدة، وتنقض المذاهب المردية الخارجة عن ميزان تلك القواعد الشرعية.

ومنذ ألف الإمام محمد بن إدريس الشافعي (150-204ه) كتاب “الرسالة”، الذي أرسى به قواعد علم أصول الفقه، والعلماء لا يزالون يسعون في مؤلفاتهم لاستكمال مباحث هذا العلم المنيف، وترتيب أبوابه، حتى استوى على سوقه، يعجب الزراع ليغيظ به الكفار.

ولا يزال هذا العلم شوكة في حلق المستشرقين الذين سعوا لتحريف دين الإسلام وتشويه بنيانه بشبهاتهم الداحضة، كما لا يزال حجر عثرة في وجه دعاة العصرانية من العلمانيين وأشباههم من بني جلدتنا، تتهدم عليه مشاريعهم التغريبية التي تهدف إلى إهدار معاني الوحي وتعطيل أحكام الشرع، وقد منَّ الله علي بإتمام رسالة الماجستير التي خصصتها لنقض مناهجهم، واستبيان سبيلهم المنحرف، والتي كانت بعنوان “الرد على شبهات المعاصرين حول مبحث الدلالات من علم أصول الفقه”، وقد أجيزت بفضل الله على تقدير ممتاز من هيئة المناقشة التي تكونت من فضيلة الأستاذ الدكتور صلاح زيدان العميد الأسبق لكلية الشريعة “مشرفًا” والأستاذ الدكتور حمدى صبح رئيس قسم أصول الفقه بكلية الشريعة جامعة الأزهر “مناقشًا” والأستاذ الدكتور إبراهيم عبد الرحيم وكيل كلية دار العلوم جامعة القاهرة “مناقشًا”. وراجع مسودة باب “الدلالات” الدكتور خالد المشيقح أستاذ الشريعة بجامعة القصيم وقدم له.

ولما كان السيف لا يعمل عمله في الأعداء، وهو في غمده مركوز، حتى تلمع بارقته على الرؤوس، فكذا علم أصول الفقه، لا تكمل ثمرته إلا بإحياء قواعده، والتمرس على استعمالها، وتخريج الفروع عليها، وإبطال شبهات الخصم بها.

من هنا تبرز الأهمية الواقعية لهذا العلم في حياتنا، ليقبل عليه من حرم خيره، فيستقيم الفهم على أصول العلم، وينضبط الاستدلال بميزان الشرع. ولما كان من أهم أسباب الإعراض عن تعلم هذا العلم، إغلاق عباراته وقلة المشتغلين بتدريسه دراسة منهجية، أحببت أن أسهم في تذليل صعوبات دراسته بهذه الرسالة التي سميتها: “أوضح الدلالات في شرح الورقات” عسى أن يُستجاب لدعوات المنتفعين بها، فيُكتب لها القبول، ولكاتبها العفو والمغفرة.

 


التعليقات