يتهم العالمانيون الإسلاميين بأنهم (ماضويين) يعيشون في ماضٍ ويحيون على بطولاته، ولا يلامسون الواقع، وفي الحقيقة فإن هذا الاتهام حلقة أخرى من حلقات قذف العالماني (للآخر) بما هو متلبس به، أعني العالماني، فلا ينفك العالماني عن البحث في ذاته، ورمي خصومه بالقاذورات التي يجدها عالقة على جسده!
إن الماضوية نوع من (الانتكاس الحضاري) إذا تعلق بالهروب من الواقع، والحياة في ذاكرة الماضي، والانتساب إلى منهج منبت ومنقطع الصلة بالنهج الحضاري الذي ينتحله ويدعو له الإنسان…
ودون الدخول في تفصيلات وتعقيدات فإن الإسلاميين يعيشون منهجا متكاملا ممتدا إلى (ماضٍ)، فلا انقطاع بين حاضرهم وماضيهم، بل الحضارة التي يبشرون بها حضارة (ممتدة) لم تنخلع جذورها، ولم تنقطع جذوعها، لكن أوراقها بلا شك قد جفت بفعل خريف حاق بها، وعلى هذا فإن هذه (الماضوية) إن جاز أن نسميها بذلك ليست منبتة الصلة بالحاضر، وأغلبهم له رؤى معاصرة في معالجة الحاضر بمنهج مستمر لم ينقطع، يذخر بالتجارب والآراء والمذاهب التي تثري هذه الحضارة من الناحية الفكرية، وسواء كانت هذه الرؤى كلية استراتيجية، أو جزئية قاصرة، وسواء كنت متفقا أو مختلفا معها؛ إلا أنهم على الجُملة لا يبشرون أو يدعون إلى الآليات القديمة غير المؤثرة في المنهج الحضاري والعلمي والثقافي.
وفي المقابل فإن العالماني لأنه يتيم الحضارة، دائما ما يزعم انتسابه إلى الحضارات القديمة كالحضارة الفرعونية مثلا، ويباهي بأنه (ابنها)، ويقيم الحفلات والأفراح والليالي الماجنة الملاح على ألبسة فرعونية قديمة مرسومة على بعض جدران المعابد، ويجعل لمهرجاناته رموزا فرعونية، بالرغم من أن قيم وحضارة الفراعنة تختلف كليا عن كل قيمة ينتحلها أو يدعو لها العالماني، إذن.. فــ(ــماضوية) العالماني ليست ماضوية منهجية، لكنها ماضوية قشرية عنجهية، لمخلوق يبحث عن (أصول)، حتى وإن كانت منقطعة الصلة بما يبشر به ويدعو له حضاريا، فهو لن يدعو إلى الرجوع إلى اللغة الفرعونية، ولا إلى قيم وتقاليد المجتمع الفرعوني، ولا إلى النظام الاقتصادي الذي عليه المجتمع الفرعوني، ولا النظام السياسي الذي انتحله الفراعنة، والذي يضاد ما يدعو إليه… فماذا بقي غير القشور والرسوم والملابس ووضع اليدين على الصدر بالطريقة الفرعونية، والسير في المهرجانات على (عجلة حربية)، أو حمل (سرير الملك) من ستة من (العبيد)!! ووضع تيجان من رؤوس الأفاعي!!
إن الماضوية نوع من (الانتكاس الحضاري) إذا تعلق بالهروب من الواقع، والحياة في ذاكرة الماضي، والانتساب إلى منهج منبت ومنقطع الصلة بالنهج الحضاري الذي ينتحله ويدعو له الإنسان… فمن الأولى بهذا الوصف، الإسلامي أم العالماني؟!! ولو كان الإسلاميون ماضويين ينعزلون عن المجتمع، ولا يبشرون بالاستمرار والسريان الحضاري من الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل ما تكالب عليهم أصحاب البارود، لأن (الماضوي) بطبيعته مأمون الجانب، لانعزاله عن الواقع.
التعليقات