الجدل بالتي هي أحسن

الجدل بالتي هي أحسن هو قرينة الحكمة في النص القرآني الذي أمر الله فيه بالدعوة إلي سبيله بها: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)( سورة النحل الآية : 125) وتحديد المبادئ التي نسير عليها في الجدل مع الجاهلية، من أهم أسس الصراع بالكلمة.

وهذه المبادئ تتحدد بصفة أساسية في عدة أمور:

1ـ مبدأ افتراض المخالفة:

وهو المدخل الذي يضع الطرف المجادل في أول الطريق الصحيح للتفكير، وبعد أن يطمئن إلي أن الطرف المسلم يضع نفسه معه في موضع المجادلة المشتركة لمعرفة الحق . ودليل هذا المبدأ هو قول الله: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)(سورة سبأ الآية : 24).

والمساواة بين الطرفين في احتمال الهدى أو الضلال. لا يعني المساواة بين تصور الطرفين لأن النص أثبت التقابل التام في التصور. (لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)( سورة سبأ الآية : 24). كما لا يعني انتقاض اليقين فيما عليه الجانب المسلم، ولكنه افتراض جدلي يثبت التجرد الإسلامي للحق.

وقوله:( وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)( سورة سبأ الآية :24). هذا من باب اللف والنشر: أي أن واحد من الفريقين مبطل والآخر محق لا سبيل إلي أن تكونوا أنتم ونحن على الهدى أو علي الضلال، بل واحد منا مصيب)(1). ( قال قتاده : قد قال ذلك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم للمشركين والله ما نحن وإياكم على أمر واحد أن أحد الفريقين لمهتد)(2).

2ـ نفي الفضل الشخصي في مجال الجدل:

وهذا ما نتعلمه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن حيث الوصول إلي الحق يكون الدليل قول الله: (وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي)( سورة سبأ الآية : 50)، ومن حيث الاعتقاد فيه يكون الدليل قول الله: (قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ)( سورة الزخرف الآية : 81). فليس لي موقف شخصي تجاه العقيدة إلا التسليم بما يأمرني به ربي ومن حيث التكليف به يكون الدليل…. (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ)( سورة هود الآية : 88). وهذا ما يثبت كذلك التجرد الإسلامي للحق.

3ـ مبدأ طلب الدليل:

وهو كذلك مبدأ جدلي يجب الالتزام به حتى مع الاعتقاد ببطلان الأمر الذي نطلب عليه الدليل. ودليل ذلك قول الله: (قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)( سورة البقرة الآية : 111).

4ـ مبدأ السماع الكامل:

وهو المبدأ الذي يحقق صفة التدبر لأن التدبر من الدبر أي الآخر. وهذا يعني أن التدبر لا يتحقق إلا بسماع الكلام إلى آخره. كما أن سماع الطرف المقابل إلي النهاية يوحي بثقة الطرف المستمع فيما عنده، وهذا رسولنا عليه الصلاة والسلام يتحدث إليه عتبة بن ربيعة فلا يقاطعه الرسول حتى ينتهي ثم يقول له: (انتهيت)؟. قال: نعم . قال: (فاسمع مني)(3) وهكذا.

5ـ مبدأ الدفاع عن الرأي:

وهو معنى الجدل، والالتزام بهذا المبدأ سيحدد مقياساً علمياً لأطراف الجدل، لأنه لن يدخل الجدل إلا من هو على يقين بما عليه من رأي، ومجرد اتهام الرأي المخالف لا يتطلب العلم الذي يتطلبه الدفاع عن الرأي الصحيح. ولذلك فإن الالتزام بمبدأ الدفاع عن الرأي سيترتب عليه ارتفاع المستوى العلمي اللازم لتكوين الرأي مع انحسار موجة الجدل في حدود الضرورة.

(1) تفسير ابن كثير.
(1) تفسير الطبري.
(3) وهذا الأثر أخرجه ابن إسحاق في المغازي كما في سيرة بن هشام (185/1) بسند مرسل حسن قال الألباني ووصله عبد بن حمير وأبو يعلي والبغوي من طريق آخر وسنده حسن.
ملاحظة: هذا النقل من كتاب حكمة الدعوة للشيخ رفاعي سرور رحمه الله.

التعليقات