مرسي كما هو لا كما تراه (١) – رداً على مقال علاء الأسواني

رداً على مقال علاء الأسواني بعنوان: محمد مرسي كما رأيته (١) على موقع DW، ولم يكفل لي حق الرد رغم مراسلته أولاً قبل النشر.

لا يهم كيف تراني أو كيف أراك، فالمهم هو ما أنا عليه، حكمة لن تجدها لنيتشه ولا كانط ولا إميل دوركاييم ولا ديستوفيسكي، لكنك ستجدها عندي فاحفظها جيداً.

لم يكن د. محمد مرسي رحمه الله مجهولاً اللهم إلا إذا كنا نزعم أننا دهاقين السياسة ولكننا لا نعرف الساسة في بلادنا، وقد يعني عدم معرفة أحدهم بك حطاً من قدره هو!!

فالدكتور مرسي كان عضواً بمجلس الشعب لمدة برلمانية كاملة، كما قامت ثورة يناير وهو عضو بمكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين وهي القوى السياسية الأكبر في مصر وربما في العالم؛ قبل أن يصبح لاحقاً رئيساً لحزب الحرية والعدالة.

وأربأ بك أن تخبط يمنة ويسرة مرة في الخلافة ومرة أخرى في خطبة الجمعة ومرة في الاستئذان من مجرد برنامج تعظيماً لفريضة الصلاة؛ وهكذا مما يوحي للقارئ وكأنك جئت تهجو دين مرسي وليس مرسي.

وعادة لا أحب خلط الأوراق كأن أعمل في سياق حديثي عن شخص علماني مثلاً على “الشوشرة” على العلمانية بدون داع واضح يتعلق بالشخص نفسه، فلا يخلو هذا المنهج من تشويش مقصود أو غير مقصود لمداراة جوانب ما من الضعف، أو لاستعراض ثقافي موجه، أو ربما لجرح حارق يحكه المرء بداع أو بغير داع.

فموضوع الخلافة يمكننا مناقشته في موضع آخر، وخلنا هنا في الحديث عن د.مرسي الذي قلت أنك وجدته رجلاً طيباً مهذباً، ولكنه متواضع الفكر محدود الثقافة. وكل هذا من حقك طبعاً فهو رأيك الذي تراه من وراء منظارك النفسي والفكري، ولكن الغريب حقاً أن تعتبر أن عباراته لا تصلح إلا لخطبة الجمعة التي لا ترقى لمستوى المناقشات الجادة!!

ثم عدت لتلومه لمحاولته الاستئذان من البرنامج ليدرك صلاة الفجر وكأنه في جلسة مع أصدقائه (كالإخوان مثلاً).

وأربأ بك أن تخبط يمنة ويسرة مرة في الخلافة ومرة أخرى في خطبة الجمعة ومرة في الاستئذان من مجرد برنامج تعظيماً لفريضة الصلاة؛ وهكذا مما يوحي للقارئ وكأنك جئت تهجو دين مرسي وليس مرسي.

وأما ما أكده البعض من تصدير المهندس الشاطر له كواجهة فيبقى كلاماً مرسلاً قاله لك “واحد” هكذا مجهلاً.

وإذا اعتبرت الرجعية نوعين إحداهما دينية متمثلة في الإخوان والأخرى يمثلها نظام مبارك متمثلاً في شفيق دون أن تصنفها، فلا أدري هل هي عسكرية أم علمانية أم ماذا، فمبارك نفسه ليس منهجاً فكرياً!!

هذا الكلام يذكرني أيضاً بأن أعظم ما تنقمون على الإخوان هو اجتماعهم أولاً بعمر سليمان ثم بالمجلس العسكري والتفاوض معه إلى آخر تلك الأمور، ولكن كل هذا لايهم بقدر أنكم -أي فريق ٣٠ يونيو- من أنهيتم ثورة ٢٥ يناير لصالح نظام مبارك أو دعني أقولها صريحة لصالح نفس الرجعية العسكرية العلمانية!!

بمعنى أنكم ببساطة اخترتم الرجعية المباركية/العسكرية بالفعل عوضاً ما أسميتها أنت بالرجعية الدينية!!

ولم تحاولوا أن تجربوا التفكير ولو واحداً بالمائة أن لقاءات الإخوان بالعسكري كانت خوفاً منه وليست خيانة للثورة ولا حباً فيه..

ثم تزعم أن من كانوا حول د. مرسي في اجتماع فيرمونت -الذي أقسمت سابقاً أنك لم تكن حاضراً فيه- “كان واضحا أنهم يملون عليه معلومات معينة قبل أن يتكلم” مع أن الكلام كان مطاطياً لا يعني شيئا حسب وصفك! وبالتالي فلا يحتاج إلا إلى خطبة جمعة مثلا فما الداعي إلى أصحاب الإملاءات، ويبقى هذا مجرد ظن منك لا حقيقة له، وتتوالى الظنون فعندما دعى الإخوان قوى الثورة مختلفة الاطياف لإلقاء “بيان مشترك”؛ تأكد لك أنهم يريدون الإيحاء بالسيطرة على الثورة والتحكم فيها، مع أنهم كانوا جزءً منها بل ومن أهم القوى التي ساهمت في إنجاحها وأنت تعلم ذلك جيداً.

وهكذا فكل بادرة للإخوان للتدرأ ببقية القوى السياسية في مقابل جبهة العسكر كانت تقابل منكم بسوء الظن والشكوك، ولم تحاولوا أن تجربوا التفكير ولو واحداً بالمائة أن لقاءات الإخوان بالعسكري كانت خوفاً منه وليست خيانة للثورة ولا حباً فيه.

أنا كنت ومازلت ممن انتقدوا الإخوان لذلك وأعتبر أن محاولتهم خداع العسكري كانت ساذجة وطفولية، وأنهم انخدعوا له حتى خدعنا جميعاً، وأن كثيراً من مواقف واختيارات الجماعة ومن ورائها بعض الإسلاميين -وهذه مني نافلة لك- كانت خاطئة فاشلة، بل وانخدع كثير منهم بالعسكري وسرهم جداً تقدير الجنرالات وتقديم المشروبات المسمومة بالبغضاء والكراهية لهم، بعد سنوات أذاقوهم فيها مر العلقم، بل لقد أقسم لنا شيخ كبير قبل الانقلاب بشهرين أنه يحسب السيسي رجلاً صالحاً يصلي الصلوات كلها في جماعة، علماً أنني وجماهير إسلامية عريضة وعلى رأسها حازم أبو إسماعيل؛ هتفنا ضد العسكري وانتقدنا كل تلك الخيارات الفاسدة، ولكننا لم نفعل مثلكم ومثل حزب النور الذي اعتبرتموه وطنياً لمشاركته لكم في العودة بالحكم العسكري لبقية نظام مبارك، وهؤلاء هم في الحقيقة من كان يحركهم المجلس من أول لحظة وهم من حرموا الثورة وهم من جمعوا شبابهم في المساجد من الظهر الى ما بعد العشاء كالدجاج في الحظيرة ليمنعوهم من المشاركة في الثورة ضد الذئب، ثم هم من ركبوها ثم هم من لفظوها معكم في ٣٠ يونيه.

وهكذا تستمر في تحويل كل عمل ناصع ومحترم وبطولي للدكتور مرسي إلى عمل مشين، حتى حركة فتح جاكيت البدلة في خطاب تولي الرياسة في التحرير، وهي من أجمل وأروع الحركات التي ارتجلها مرسي بطبيعته الارتجالية..

علماً أنكم جميعاً وأنت شخصياً رغم تجاهل نسبي يتعلق بالأوزان السياسية؛ قد حضرتم اجتماعات سرية مع المجلس العسكري ومع حمدي بدين، والمخابرات الحربية ومندوبيها في حكومة الجمل ثم علي السلمي، وذلك في كل مراحل الثورة وحتى انقلاب يوليو الذي كنتم قنطرته الرئيسية.

وهكذا تستمر في تحويل كل عمل ناصع ومحترم وبطولي للدكتور مرسي إلى عمل مشين، حتى حركة فتح جاكيت البدلة في خطاب تولي الرياسة في التحرير، وهي من أجمل وأروع الحركات التي ارتجلها مرسي بطبيعته الارتجالية التي كثيراً ما تخطئ لكن لا ينقصها الصدق، وكان من الواجب أن يتحرك بتلك الجماهير ساعتها ولن يستطيع أحد إيقافه، لدك مقرات أمن الدولة والسيطرة على وزراة الدفاع وعزل المجلس كاملاً لا طنطاوي وعنان فقط بل وإقصاء جميع رموز الفساد من العهد البائد، وكان شعب مصر كله سيتحرك من وراءه لا الإخوان ولا الإسلاميين فقط.

وأما بالنسبة لعدوانية من بالقصر حتى السفرجي، والكلام الذي قاله لك ضابط خائن لرئيسه فلم أره في الحقيقة وقد دعيت مثلك أربعة مرات للقاء سيادة الرئيس ولم أذهب إلا في المرة الأخيرة فقط يوم الثاني من يونيو أي قبل ثورتكم المجيدة بأقل من ثلاثين يوماً، ذهبت لأقول كلمة حق للرئيس وبطانته وقلبي يعتصر ألماً لما ستصير إليه الأمور، علماً أننا دعينا للالتحاق بجبهة الإنقاذ التي كنا ومازلنا نراها جبهة لخراب مصر وشرعنة الدكتاتورية العسكرية ورفضنا ولله الحمد.

وحاصل هذا الكلام بالإضافة لحادثة قطع المياه عن القصر الجمهوري؛ يؤكد إذن أن قيادات المجلس العسكري كانت ضد مرسي وضد الإخوان، فلماذا تلمح دائماً أن الانتخابات زورت لصالحهم، رغم إقرارك سابقاً بعكس ذلك؟

فهل كانوا ضدهم أم معهم، ولماذا تؤكد أنهم كانوا مستائين من الإخوان مع أنك تعتبرهم حلفاء لهم، هل هناك شيء خاطئ ينبغي فهمه هنا؟!

نستكمل في الجزء التالي: مرسي في الاتحادية (٢)

التعليقات