وقال إنني من المسلمين

عند اختلاف الأراء وتباين وجهات النظر في إدارة الأزمة، لابد أن نركز على مواطن الاتفاق حتى لا تضيع وسط صخب الخلاف؛ لتكون أرضًا صلبة تجمعنا جميعًا، ومنطلقًا لا يغيب عن الأنظار، والاتفاق يتأتى عند الالتصاق بالوحي، والاعتصام بحبل الله، والله لا يرشدنا إلى الحسن فحسب، بل إلى الأحسن، قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، وبقليل من التأمل يتبين لنا الآتي:

أولًا: الدعوة إلى الله لا إلى التنظيم يجب أن تكون هي الغاية، بينما التنظيم وسيلة لتحقيق هذه الغاية، لا غنى عنها لتوحيد الجهود، وإدارة فرق العمل على الأرض.. أما أن تشتغل التنظيمات الإسلامية بالتنابز بالأسماء والألقاب، والانتصار للشعارات والأقطاب، فهذا انحراف عن الغاية، وقدح في الإخلاص، وضياع للأعمار، وهدم للشرعية التي قامت عليها تلك التنظيمات.

ثانيًا: التأكيد على العمل الصالح في الآية يميز الأدعياء الذين تتشابه أقوالهم مع أقوال المخلصين، ليكون العمل بما نقول وندعو إليه هو المعيار الذي يرجع إليه في تقييم الدعاة أفرادًا وجماعات .. ونظرة إلى الواقع تبين لنا بجلاء كيف أن المواقف في الشدائد والمحن ميزت الناس، ولا تزال تبرز طاقة كل إنسان على التحمل، والناس – كما قال النبي صلى الله عليه وسلم – كأبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة.

ثالثًا: على كل داع إلى الله أن يقول: (إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) على سبيل الاندماج في المجتمع بصلاحه الذي به يكون داعيًا إلى الله، لا ان يتميز بتجهيله للناس واستعلائه عليهم، بل يتميز بتواضعه ومشاركته للأمة في الحق، وإعانته لها على دفع الباطل، ولله در الدكتور فريد الأنصاري -رحمه الله- إذ يقول في كتابه البيان الدعوي: (إن “التدين العام” هو الفضاء الأوسع الذي يحتضن العمل الإسلامي بصورة تلقائية ويدعمه ويسنده، ويمده بأسباب القوة في مواجهة المنكر، إنه هو “رأيه العام” لكنه لن يطمع يومًا ما أن يكون جزءًا تنظيميًا منه؛ فهذا خطأ شرعي ومحال اجتماعي)، ويقول في موطن آخر من نفس الكتاب: (إن العولمة الشاملة لن تواجهها تنظيمات محدودة في المجتمع كمًا وكيفًا، وإن كانت تقود بدور قيادي توجيهي على الإجمال؛ وإنما يمكن لها أن تواجهها فعًا إن أدركت طبيعة المعركة، وموقعا هب منا بالضبط؛ وذلك بأن تتخندق مع التدين من حيث هو تدين، وتحارب من خلال الشعب لا من خلال ذاتها، كما تفعل بعض التنظيمات ذات النزعة الاستعراضية! إن دخول المعركة بشكل تنظيمي انفرادي لا شعبي؛ يعني فرض العزلة الذاتية على التنظيم، اجتماعيًا ومؤسسيًا! فتخسر الدعوة الإسلامية بذلك المعركة).

اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه.. وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه


التعليقات