لا خير في أهل الدين إن لم يذكروا الناس بأصدق الحديث (كلام الله) وأحسن الهدي (هدي رسول الله)، وأن يكونوا ربانيين يربون الناس في تلك الأحداث باستدعاء الدواء الشافي لأمراض القلوب من الكتاب والحكمة.. فيا أيها الناس.. اسمعوا لنبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم- ينادي عليكم: (لاَ يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللهِ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ ، وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ) متفق عليه.. تأملوا عباد الله:
أولًا:
قوله: (لايزال) يعني أن هذا قضاء لا يتخلف، وسنة لا تتبدل.. فما أعظمها من بشارة للمؤمنين: أن الحق لا يضيع أبدًا.. فلا يتحسر أحد على ضياع الدين، وذهاب الإسلام، لا والله لايضيع أبدًا ولا يزال.
ثانيًا:
قوله: (من أمتي أمة).. بشارة وتكليف وإشارة.. بشارة بأن الله لن يستبدل أمة أخرى بأمة النبي محمد –صلى الله عليه وسلم-، ولكن يستبدل بعض الأمة ببعضها.. وتكليف لكل مسلم يريد النجاة بأن يكون من هذه الأمة القائمة بأمر الله، المدافعة عن شرع الله.. وإشارة ظاهرة إلى أن الأمة القائمة بأمر الله ليست هي كل أمة النبي صلى الله عليه وسلم- بل هم قلة وصفوة تميزت عن سائر أمة الإسلام بأنها هي القائمة بأمر الله حقًا.
ثالثًا:
قوله: (قائمة بأمر الله) أي: قائمة بشرع الله.. عالمة به.. عاملة به.. مدافعة عنه.. مضحية في سبيله.. صابرة مصابرة مرابطة على ذلك.. وإذا كان القيام بشرع الله هو العلامة المميزة لهذه الطائفة دل ذلك على أنه هذا القيام أمر واضح في دين الله غير ملتبس يمكن إدراكه لكل عاقل.. فإن تشابهت الأقوال بين المدعين دلت الأعمال والمواقف.
رابعًا:
قوله: (لا يضرهم) في دينهم وعلو حجتهم وظهور أمرهم، وإنما هو الأذى الدنيوي الذي لا مناص منه للابتلاء والتمحيص، فلا تكون العاقبة وعلو الحجة إلا لأهل شرع الله.
خامسًا:
قوله: (من خذلهم) أي: من الموافقين من إخوانهم، وكان ينتظر منهم أن ينصروهم، فإذا بهم يخذلوهم ويتخلوا عن نصرتهم.. فالنبي –صلى الله عليه وسلم- يبشر الطائفة المنصورة بأن هذا لا يضرهم وأن الله ناصرهم وكافيهم.. والملفت تقديم من خذل على من خالف؛ لشدة تأثيره على النفوس، فظلم ذوي القربى أشد مضاضة.
سادسًا:
قوله: (ولا من خالفهم) من الأعداء المناوئين والخصوم الكائدين.. فلا يصل الكائد إلى مراده.. يقين لا ريب فيه؛ فعمل المفسدين لا يصلحه الله.. والمكر السيء لا يحيق إلا بأهله.
سابعًا:
قوله: (حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك).. فلا يزال في الأمة طائفة ترفع راية الشريعة إلى يوم القيامة.. وإنما الشرف كل الشرف في الانتساب إلى تلك الطائفة.. والخوف كل الخوف من الطرد من تلك الطائفة، والحرمان من النجاة.. ولا نجاة إلا بشرع الله.
ثامنًا:
لا قيام لشرع الله في أرض الله إلا بأمة وطائفة، قليلة في الأمة لكنها ظاهرة بعلمها وعملها وجهادها.. فشرع الله لابد له من رجال تحمله، ورموز ترفع رايته، وأنصار يلتفون حوله، ونضال أمام أعداءه، وصبر حتى يأتي أمر الله.
وأخيرًا.
إلى المنادين بفصل قضية حازم عن الشريعة بحجة أنها مسألة شخصية، لا والله لا تنفصل ما دام الرجل قائمًا بأمر الله.. فإن ترك تركناه.. وهل عاداه من عاداه، وظلمه من ظلمه، إلا لما قام بأمر الله ورفع راية شرع الله.. وما جاء رجل بمثل ما جاء به إلا عودي.. والحرب الآن حرب إرادات؛ فمن انكسر في نفسه وظن أنه خاسر فعندئد فقط قد خسر.. أما من شكا ضعفه لربه، واستنصر بالعزيز الذي لا يغلب فمن يقدر عليه.. ألم تسمع لربك وهو يقول: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).. فالثبات الثبات عباد الله.. إنما النصر صبر ساعة.. لنحيا كراما..
التعليقات