حقًا إن للشريعة الإسلامية مبادئًا يفخر بها كل مسلم موصول بالله على كل مقطوع عن الله من السفهاء الذين أسلموا قيادهم لأضرابهم من البشر..
وهل جاءت الشريعة إلا بالرحمة والحكمة والمصلحة..ولم لا ؟! فالله سبحانه وتعالى لا يفعل فعلًا ولا يأمر أمرًا إلا لحكمة، لأنه الحكيم سبحانه وتعالى، وأحكام الشرع من أمره، شرعها لعباده لحكم، منها ما أظهره لعباده، وكلها دالة على إرادة ما يصلحهم في دينهم ودنياهم؛ فالمصلحة هي قطب رحى الإسلام، وعليها مدار الدين بالنسبة إلينا، أي أن كل ما شرعه الله ففيه المصلحة لعباده المؤمنين، سواء كانت المصلحة خالصة أو راجحة، في الدين أو في الدنيا أو فيهما معًا.
ولأن العباد لنقصهم وقصور علمهم لا يستقلون بتبين وجه المصلحة، لاسيما وأن معايش الناس ومصالحهم الشخصية كثيرًا ما تتداخل وتتعارض. أضف إلى ذلك تفاوت قدرات عقولهم واختلاف أفهامهم، بل وطغيان شهواتهم وتعارض أهوائهم. من أجل ذلك وغيره لم يترك الله لعباده تشريع الأحكام كلها لهم رحمة بهم؛ فإن أمرهم بفعل المصلحة دون بيان أمثلة لها أمرٌ بمجهول، تعالى الله عن ذلك، فما قد يراه البعض مصلحة يراه آخرون فسادًا، قال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ [البقرة: 11].
ولم يقف الأمر عند إبداء الحكم، بل أقام من العلل مظنة وقوع المصلحة ما يقيسون عليه، فيحكمون في المثل بمثل الحكم، وذلك بما فطرهم عليه من التسوية بين المتماثلين، والتفرقة بين المختلفين، وهذا هو قياس العلة السابق.
وبمجموع ما ثبت من أحكام، وما قيس عليها أصبح وجه المصلحة ظاهرًا لأهل العلم، فما استجد بعد ذلك من وقائع وأحداث مما ليس له نظير كان مقصود الله واضحًا، وما على العلماء إلا أن يجتهدوا في تعيين الحكم المعين، الذي يحقق ذلك المقصود.
إذن فالمصلحة والعدل والرحمة والحكمة وسائر مبادئ الشريعة لا تتحقق إلا بتنفيذ أحكام الشريعة.. التي أوجب الله علينا التسليم لها، والإيمان باشتمالها على وجوه العدل والحكمة والرحمة. قال الإمام ابن القيم: «فمن وصل إليها فليحمد الله، ومن لم يصل إليها فليسلم لأحكم الحاكمين وأعلم العالمين، وليعلم أن شريعته فوق عقول العقلاء، وفوق فطر الألبِّاء».
ولكن تبقى الإجابة على السؤال: لماذا كانت للشريعة مبادئ ؟
الإجابة تختلف باختلاف الأشخاص:
أما عند واضعي الدستور الأعرج: فحتى لا يغضب الكفار في الداخل والخارج ومن فتن بهم من المنتسبين للإسلام، الذين يدعون أن أحكام الشريعة غير متفق عليها بين المسلمين أنفسهم، بخلاف المبادئ التي يتفق عليها الجميع..
وكذبوا والله.. فإن تطبيق هذه المبادئ غير متفق عليها بين أهل الملة والعقيدة الواحدة، بل والدولة والواحدة، ولهذا اخترعوا فكرة التصويت على التشريعات والقوانين في المجالس النيابية في العالم بالأغلبية.. والتي سرعان ما تتغير بتغير الأغلبية في البرلمان، وصدق الله القائل: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا).
وأما عند العلماء فأصول الشريعة ثابتة مجمع عليها عند المسلمين وهو ما لا يوجد في شريعة أرضية، وإنما الاختلاف يكون في الفروع، وطبقًا للقواعد اللغوية ومبادئ الشريعة، وعليه يستبعد ما خالف تلك المبادئ من اجتهادات في المسائل غير المنصوص عليها؛ فأي حكم أو تفسير خرج به المفسـر عن العدل والرحمة والحكمة والمصلحة فإنه تفسير غريب لا يمت إلى الشـريعة بصلة..
يقول الامام ابن القيم: «إن الشـريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة، وإن أدخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم أتم دلالة وأصدقها» ..
لهذا كانت للشريعة مبادئ:
ليستبعدوا الأراء الشاذة.. لا ليستبعدوا الشريعة!!!
التعليقات