قال لي أحد أصدقاء الطفولة وهو من الأطباء الأخيار: أنت تبحث عن عدو وهمى اسمه العلمانية. العدو الحقيقى هو من يريد تطبيق الشريعة وفقا لهواه . إذا أردت تطبيق الشريعة حقا فلتحدد الجهة المسئولة عن تطبيقها أولا ثم تكتب الشريعة فى كتاب واحد فقط بلغه واضحة يفهمها الجميع و تحدد فيها النقاط المتفق. عليها من الجميع ثم تحدد كذلك النقاط الخلافية و التى تعدت فيها الاراء و يؤخذ بأيسرها. و من أراد ان يزيد فله الحرية لكن لا يؤثم غيره. و فى النهاية توضع النصوص فى مواضعها سواء كانت دستورية أو قانونية. و تكون الهيئة المسئولة مراقبة للقوانين حتى لا تخالف كتاب الشريعة.
وأقول لأخي الحبيب.. ولإخواني القرّاء:
أولًا:
الوهم هو الصورة الذهنية التي لا وجود لها في الواقع.. ولا أظن أحدًأ ينكر وجود العلمانية كمذهب فكري له من يعتقده ويدافع عنه، أما إن كان المقصود بالوهم هو العداوة، فلا أظن أن أحدًا قرأ كتب العلمانيين ثم لم يجد فيها من العداوة والخصومة لأهل الدين ما الله به عليم.. وسأكتفي بنقل بعض عباراتهم، واللبيب تكفيه الإشارة.
يقول الدكتور نصـر أبو زيد: «فلا شمولية في الدلالة للحكم بما أنزل الله بالمعنى الذي يتغياه الخطاب الديني. يوضح هذه القضية الأخيرة أن هناك أحكامًا دينية مطلوب من المؤمن أن يطيعها، لكنها أحكام في شئون الدين، وليست أحكامًا شاملة كلية لكل تفاصيل الحياة وجزئياتها»”نقد الخطاب الديني” ص132.
ويقول: «ويظل السؤال الأساس عن سر الأزمة سؤالًا مكبوتًا محبطًا، ويظل الحديث عن تأويل العقائد أو نقد التراث –و هو ما حققته أوروبا في سعيها لتجاوز عصورها الوسطى– حديثًا محرمًا»”إشكاليات القراءة وآليات التأويل” ص 228 ،229.
ويقول الدكتور محمد أركون: «طه حسين، مثلًا، كَتَبَ في التراث؛ وهو من الذين حاولوا أن يطبِّقوا المنهج الفينومينولوجي الذي تعلَّمه في السوربون، ووضع كتابه في الشعر الجاهلي، فأثار ما أثاره، لأنه كتب في منهج لم يسمح به علماء الأزهر– وهو تمامًا ما يحصل اليوم!»”حول الفلسفة والدين والتربية والحداثة والقضايا العربية” موقع معابر، السبت 13 نيسان 2002.
ويقول الدكتور حسن حنفي: «إن مهمة جيلنا هي إعادة الاختيار بين الفلاسفة الأوروبيين طبقًا لما يمليه موقفنا الحضاري… فإذا كان المجتمع الأوروبي قد كفر بالتاريخ وفي حاجة إلى الله فإننا في حاجة إلى التاريخ دون غيره، وإذا كان ياسبرز يريد بناء مجتمعه على الروح فإن مجتمعنا يعاني من سيطرة الروح وغياب ترشيد المادة»”التراث والتجديد” ص385.
ويقول خليل عبد الكريم: «إننا لا نستطيع أن نبشر بما نريد من خلال روسو أو مونتسيكيو وإلا حوصرنا؛ فيجب أن نبشر به من داخل منظومة الثقافة الإسلامية» موقع “إسلام أون لاين” 28-7-2004.
ولدي الكثير من أقوال من سبق وغيرهم مثل المستشار محمد سعيد العشماوي ومحمد عابد الجابري وسيد القمني وجمال البنا وأحمد عبد المعطي حجازي وإبراهيم عيسى وإخوانهم من إعلامي العلمانية في مصر.
ثانيًا:
أن يكون العدو الحقيقي هو من يريد تطبيق الشريعة وفقًا لهواه، فهذا كلام من لم يعرف على الشريعة عن قرب، فإن الشريعة هي المعيار الذي يعرض عليه القول والفعل، والهوى هو كل انحراف عن الشريعة.. والمعيار لا يكون معيارًا إلا إذا كان قادرًا على تمييز الخطأ والصواب بنفسه دون حاجة إلى غيره.. والشريعة كالماء الوفير لا تحمل الخبث، بل تنفيه وتقصيه.. ولذلك ميز العلماء الأراء الشاذة والمذاهب المنحرفة لما في الشريعة من معيارية لا توجد في غيرها.. فأقر بالًا أخي الحبيب، فلا يقدر أحد على تطويع الشريعة وفق هواه أبدًا.
ثالثًا:
أما عن تدوين الشريعة وتحديد نقاط الاتفاق والاختلاف وتحديد الجهة المسئولة عن تطبيقها. فهذه أمور تؤكد أننا يجب أن نقرب الشريعة للناس.. فمن مصائب الدهر كون الناس لا يعلمون أن الشريعة دوننت وقتلت بحثًا وتم تحديد مواطن الاتفاق والاختلاف في كل مذهب على حدة وبين المذاهب.. بل حتى قضية تقنينها كمواد قانونية قد تم منذ الدولة العثمانية كما في مجلة الأحكام العدلية التي كانت مصدرًا للحكم والقضاء، حتى إلغاء القضاء الشرعي، ثم كتبت من جديد على يد لجنة تقنين الشريعة في مجلس الشعب في عهد السادات على يد الشيخ الأزهري صلاح أبو إسماعيل.. بل حتى الدستور الإسلامي قد كتبته لجنة رأسها شيخ الأزهر الشيخ عبد الحليم محمود.
فما أسهل أن ينتخب علماء الأزهر لجنة منهم أو هيئة متخصصة برتبة أعلى من المحكمة الدستورية تقوم بالإشراف على إعداد الصياغة النهائية للدستور والقوانين بما يوافق الشريعة الإسلامية الغراء ويكون حكمها ملزم لجميع الأطراف.
التعليقات