باسم يوسف: سكت دهرًا … ونطق فجرًا

طلب أحد الأفاضل مني التعليق على مقال باسم يوسف (سماوي غصب عنك) في موقع الحصاد.. وتعليقي باختصار:

يهدف باسم في مقاله إلى تأصيل مقدمتين ليصل بهما إلى نتيجة..

المقدمة الأولى: لا يوجد ما يسمى بدين سماوي لأن كل واحد يعتقد نفسه سماويا وينفي عن الآخر ذلك.. وعندئذ لافرق بين كل الأديان ولا خصوصية للمسيحية واليهودية عن غيرهما من الأديان..

المقدمة الثانية: لا حامي للدين إلا الله.. واتخاذ التدابير السياسية والإجرائية لحمايته ينتج عنه نتيجة عكسية بل وينفر الناس..

أما عن النتيجة لهاتين المقدمتين فهي: تنحية الدين عن السياسة كقضية كبرى يتفرع عنها: عبثية الحديث عن الهوية الإسلامية والنص عليها في الدستور.. وعدم منح أي مؤسسات دينية السلطة للتدخل فى حياة ومصير مواطنيها بما يتيح لهم تصنيفهم ولو إلى سماوي وغير سماوي..

أما المقدمة الأولى.. ففسادها من جهتين..

الجهة الأولى: اعتقاد كل واحد صواب ما هو عليه لا يعني أن كل الناس على صواب لأنهم يعتقدون أنهم على صواب.. ولهذا قال نبي الله: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ).. وإلا لما كانت هناك جنة ونار ولما جاز تعذيب الكفار.. وإبليس لم يسجد لآدم لأنه اعتقد أفضليته عليه.. فهل ظلم الله إبليس؟!

بل ولما جاز عقاب المجرمين في الدنيا.. لأن الكل يعتقد بصواب ما فعله وأن الأوضاع هي الذي ألجأته إلى فعل ذلك.. وأنه لم يأخذ حقه في المجتمع.. فلماذا تعاقبونه؟!

إنما العبرة بما جاء من حق في كتاب الله الموصوف بالفرقان.. أي: الذي يفرق الله به بين الحق والباطل.. والحلال والحرام.. فالقرآن هو المعيار والمهيمن على غيره.

الجهة الثانية: معنى أن المسيحية واليهودية دينان سماويان أي: أن لهما أصل وكتاب نزل من السماء.. ولا يقتضي ذلك صحة ما هم عليه الآن.. لأنهم حرفوا ومما حرفوه نفي وجوب الإيمان بالنبي الخاتم.. ولكن من عدل الله أنه لا يسوي بين المختلفين في الأحكام.. فلما اختلفوا عن سائر الأديان التي هي من وضع البشر (وإن ادعى أصحابها غير ذلك فالعبرة بالحقيقة المسطرة في كناب الله) خالف الله بين أحكامهم وأحكام غيرهم.. فسماهم أهل كتاب.. وجعل لهم أحكامًا يفارقون غيرهم من الأديان في الدنيا.. على الرغم من النص علي الجميع بالكفر والخلود في النار إن ماتوا على ذلك.. ولعل ذلك ترغيبًا لهم في الإسلام..

وأما المقدمة الثانية

وهي قوله: إنه لا حامي للدين إلا الله.. فكلام حق يراد به باطل.. فالله الحامي والحافظ على الحقيقة للسموات والأرض وما فيهن (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)..

لكن الله هو الذي كلف المؤمنين بمدافعة أهل الباطل.. تحقيقًا لحكمة وجودنا في دار الابتلاء..(وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ)..

بل وقال: إن لم يدافع أهل الحق عن دينهم ستضيع معالم الدين في الأرض.. (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)..

والسؤال: لماذل تكتبون دستورًا يحمى الحريات.. أليست الحريات في دين الله؟ إن أجبتم بلا فقد كفرتم بهذا الدين الذي لا يدافع عن الحريات!! وإن أجبتم بنعم.. فدعوا عنكم كتابة الدستور فلا حامي للدين إلا الله؟!

إن منطق باسم نفس منطق من قال: إن الله هو الذي يطعم الجوعى فلا حاجة لكم في إطعامهم: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ).

وفي منطق العقلاء إذا فسدت المقدمات فسدت النتيجة.. فسدت علمانيتكم.. التي استوردتموها من غرب يؤمن بدين يتكلم باسم الله..(وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).. فلما ثاروا على الكنيسة نبذوا أي تدخل لها في حياتهم..

أما نحن المسلمون فحفظ الله لنا كلامه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).. فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. واضحًا مبينًا.. كما وصفه الله.. فرقانًا.. لا يضل ولا يهلك من سار خلفه.. وإنما الضلال والهلاك لمن حاد عنه.. عياذًا بالله..

وأخيرًا

أبشروا أيها المؤمنون بشريعة الله الكافرون بعلمانية البشر..
ففى السلسلة الصحيحة 713 قال صلى الله عليه وسلم:
(أبشروا أبشروا أليس تشهدون أن لاإله إلا الله وأنى رسول الله ؟ قالوا : نعم قال : فإن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدا).


التعليقات