زلزال خاشقجي

ما يحدث في أمريكا هو صراع بين CIA ومجموعة ترامب؛ حيث ترى المجموعة الأولى ضرورة إزاحة المجرم بن سلمان واستبداله بغيره طوعاً أو قسراً، بينما ترى الثانية محاولة الإبقاء عليه ككنز استراتيجي صاحب علة و”ذلة” أو إقصائه بصورة تبدو كما لو كانت قراراً سعودياً داخلياً أقل خزياً واستخدام من بعده !!

الإدارة الامريكية ومؤسساتها الموالية والمعادية تبدو مضطربة ومتضاربة في مواقفها مقارنة بالأداء الحكومي والاستخباري التركي الذي يبدو متكاملاً ومتماسكاً ومحترفاً في التعامل مع الأزمة برمتها

وفي هذا الإطار يمكن فهم التسريبات التي أذاعتها إدارة المخابرات المركزية لإحراج ترامب، ويبدو التفاف ترامب أكثر تعقلاً بصورة مفاجئة، إذ يبدو انه أصاخ السمع أخيراً لمستشاريه، فالتقى بمراسل فوكس نيوز كما تعامل ببراعة مع مزنق الشريط الصوتي الذي تسلمته المخابرات الامريكية من نظيرتها التركية، إذ ادعى انه علم بالتفصيل ما محتواه بينما لم يستمع له لفظاعته، فهو رقيق المشاعر بطبيعة الحال كما هو معروف عنه!!

الإدارة الامريكية ومؤسساتها الموالية والمعادية تبدو مضطربة ومتضاربة في مواقفها مقارنة بالأداء الحكومي والاستخباري التركي الذي يبدو متكاملاً ومتماسكاً ومحترفاً في التعامل مع الأزمة برمتها؛ إذ افلح في تصدير القوى الدولية وتكتيلها ضد بن سلمان ومشروعه، بينما لم تتصدر تركيا كخصم مباشر للسعودية او تخسر دولاراً واحداً من الاستثمارات الخليجية التي تربو على ٩٠٠ مليار دولاراً بينما تجني المكاسب السياسية والاقتصادية بالفعل يومياً منذ بدأ عداد الأزمة في الدوران منذ اقل من شهرين.

لست مع من يجعلون من خاشقجي رحمه الله بطلاً خارقاً لمظلمة أصابته -وإن كانت موجعة جداً وإجرامية للغاية- فقد كان ممن يحسبون من المقربين لنفس هذه الاجهزة المجرمة التي اغتالته رحمه الله في العهد السابق، ولست مع من يتجافون عن التعاطف مع اغتياله بهذه البشاعة ولا أملك إلا الترحم عليه والدعاء له أن يتغمده الله برحمته ويغفر له ويتقبله ويجعل ما اصابه كفارة لذنوبه، فقد قتل مظلوماً مغدوراً ومثلت به مثلة شنيعة توجع القلوب الرحيمة، والمظلوم يبقى مظلوماً ودمه يلعن قاتليه حتى يخصمهم بين يدي الله خصومة لا فكاك منها.

يظهر لي من كل هذا؛ أن خطورة خاشقجي الحقيقية تكمن في كونه صندوقاً أسود وخزانة للمعلومات التي كانت ستزعزع ملك بن سلمان، ومن عجائب الاقدار أنه قد فعل ذلك ميتاً ما ربما لم يكن يسعه حياً !!

ورغم أن الرجل كان سياسياً وصحافياً محترفاً ولم يكن يتخذ موقع المعارض السياسي للنظام بصورة صريحة، إلا أنه من الواضح أن رحلته إلى أمريكا ولقاءه بجهات وشخصيات معينة هناك، ومنها إلى لندن التي تتسلم الآن بالفعل بعض ملفات المنطقة -والخليج تحديداً- ومن ثم استدراجه إلى استنبول للتفاوض معه ظاهرياً والقضاء عليه فعلياً، يظهر لي من كل هذا؛ أن خطورة خاشقجي الحقيقية تكمن في كونه صندوقاً أسود وخزانة للمعلومات التي كانت ستزعزع ملك بن سلمان، ومن عجائب الاقدار أنه قد فعل ذلك ميتاً ما ربما لم يكن يسعه حياً !!

في الحقيقة مازلت أعجب من زلزال قتل خاشقجي الذي ضرب المنطقة كلها وكانت بؤرته في استنبول بينما تهز قوته التدميرية عروش وكروش الأعراب الجفاة كلهم أجمعين، من البحرين إلى الإمارات والسعودية بطبيعة الحال إلى النظام الفرعوني الذي أفلح اليهود في تجنيده أخيراً بعدما فشلوا في ذلك مع سلفه اللعين في غابر الدهر؛ وربما لو كان فيهم نبي لعاداهم كسابقه.


التعليقات