قضية خاشقجي والاحترافية السياسية

منذ بداية الأزمة اعلنت تركيا أن المسألة سيادية وبدا واضحاً أن قبولها بالمذبحة الخطيرة التي تورط فيها النظام السعودي على أراضيها؛ سوف يكون سقوطاً سياسياً وسيادياً مهيناً.

حولت تركيا القضية إلى رأي عام عالمي خاصة مع شهرة الصحفي السعودي عالمياً وصلاته بالدوائر الغربية خاصة منها الأمريكية، فلم تعد هي واجهة أو حجر المحك في القضية وحدها

والأسوأ من الإهانة والسقوط هو الاجتراء القادم والذي لن يتوقف عند حد من قبل الثالوث المجرم السيسو-سلما-زايد؛ مما يعني احتمال تحويل تركيا الدولة إلى عاصمة مافيا نظامية تمارس فيها كل العمليات القذرة من قبل تلك الانظمة -العصابات في الحقيقة- مما قد يهدد او يسقط الدولة نفسها بشكل حقيقي لا مجازي.

ولكن وقفت أمام النظام التركي اعتبارات اقتصادية وسياسية وإقليمية خطيرة أيضاً في حال فجرت الأزمة وصعدتها مع النظام السعودي حتى نهايتها، فستفقد الاستثمارات الخليجية في تركيا والتي تبلغ حوالي ١٩ مليار دولاراً وأكثر من ٢٠٠٠ شركة، وأغلبها للسعوديين والإماراتيين، وتزامن ذلك مع العقوبات الأمريكية الموجعة على صناعة التعدين التركيةخاصة الحديد والألمونيوم، كما لم يكن من اللائق أن تبدو تركيا بالدولة التي تبيع كرامتها وسيادتها بالمال!!

وسأحاول بإيجاز قراءة المشهد بأبعاده وتحركاته المختلفة:

أولاً: تأنت تركيا والتزمت أعمق درجات ضبط النفس في مقابل العربدة السعودية، وما بدى أنه استهزاء وسخرية منها تمثل في تصوير القنصل السعودي السقيم وهو يفتش في أدراج مكتبه باحثاً عن خاشقجي فيها!!

ثانياً: حولت تركيا القضية إلى رأي عام عالمي خاصة مع شهرة الصحفي السعودي عالمياً وصلاته بالدوائر الغربية خاصة منها الأمريكية، فلم تعد هي واجهة أو حجر المحك في القضية وحدها، بمعنى آخر توارت تركيا -وهي الفاعل الرئيسي- خلف الزخم العالمي والغربي، وبطبيعة الحال وفي نفس هذا السياق والزحام -إن جاز التعبير- اكتشف القضاء التركي فجاة تهافت التهم الموجهة إلى القس اندرو برونسون ليعود سالماً إلى بلاده !!

ثالثاً: اعتمدت حرب التسريبات والضغوط الناعمة، علماً أنها تدرجت في هذه التسريبات بما يلهب أعصاب نظام الصبي المعتوه في الرياض، ويبدو أنها كانت تملك منذ البداية كل تفاصيل القضية كما حدثت بحذافيرها، واعتمدت على نشرها قطعة قطعة كما تنشر الغسيل “القذر”.

وانتهت المعركة السياسية المعقدة هذه بإذعان السعودية للتفتيش وقبولها ولو على مضض بالتحقيق المشترك ظاهرياً، والتركي فعلياً وتفتيش مقر القنصلية ومنزل القنصل الذي غادر تركيا فراراً بفعلته..

ويأتي عدم إعلانها رسمياً وبشكل قاطع ومتكامل إلى سببين من وجهة نظري:

الأول: هو عدم إحراق مصادرها الاستخباراتية داخل القنصلية نفسها أو أدواتها للتصنت.

والثاني: هو خشية أن تكون العملية كلها مدبرة لإحراج تركيا وجعلها أضحوكة في النهاية ثم يتم إبراز شخص خاشقجي مثلاً إن كان حياً، وهو الأمر الذي يفسده الوقت ويحيل استمراره مع الإحراج المتصاعد وإن كان مستبعداً جداً.

ويبدو أن تلك المعلومات قد سلمت للإدارة الأمريكية في توقيت معين من التحقيقات.

وانتهت المعركة السياسية المعقدة هذه بإذعان السعودية للتفتيش وقبولها ولو على مضض بالتحقيق المشترك ظاهرياً، والتركي فعلياً وتفتيش مقر القنصلية ومنزل القنصل الذي غادر تركيا فراراً بفعلته هو وفرقة الإعدام المجرمة.

تقارير فرنسية في لوفيجاروا وكذلك تقارير وتصريحات أمريكية تؤكد أن محمد بن سلمان قد انتهت صلاحيته، وتوحي بأن استدعاء خالد بن سلمان هو لتنصيبه على عجل كولي ولي للعهد كمقدمة لاحتمال إقصاء أخيه الأكبر خلال ستة أشهر على الأكثر.

وربما يجري تلفيق القضية لمدير الاستخبارات السعودية أحمد العسيري أو مطرب أو غيرهما فليس هذا ما يهم وبطبيعة الحال سيضيع دم خاشقجي هدراً فمنذ متى بكى الطغاة على حياة الإنسان؟!


التعليقات