معضلة البلاء والتمكين وتفكيك النظريات والمصطلحات!!

إذا كان لابد للحركة الإسلامية من انطلاقة واعية وصحيحة إلى الأمام عبر طريق التغيير ومن ثم التمكين لدينها؛ فينبغي عليها أولاً مراجعة بل وتفكيك كثير من أطروحاتها وموروثاتها العتيدة، خاصة تلك التي تشبه وراثة عاهة من العاهات أو مرضاً خلقياً وراثياً جاء من نتاج التزواج بين الاستضعاف والعجز او بين التبرير والعيب.

خذ عندك مثالاً بمعضلة النصر والتمكين الذي لا يمر إلا عبر بوابة البلاءات والمحن والسجون والمعتقلات، بله والتصفيات والدماء!

فالحركة الإسلامية -السنية خاصة- ما فتأت تتكتل لتتهشم بين مطرقة التاريخ المُلِح وسندان الواقع المسدود. وكل أطروحة طرحت أو شعار أشعر أو مصطلح نحت، إنما كان بفعل فاعل ودفع دافع، ووراء كل فعل سبب، ولكل دافع من يؤزه؛ حقاً كان او باطلاً !!

خذ عندك مثالاً بمعضلة النصر والتمكين الذي لا يمر إلا عبر بوابة البلاءات والمحن والسجون والمعتقلات، بله والتصفيات والدماء!

وهي أطروحة قد تقبل أو تمرر خاصة أنها ظاهرة الاتساق ولها دلائلها الشرعية؛ وكل أطروحة باقية أو شعار مؤثر أو اصطلاح مدوي؛ هي في ظواهرها كذلك، فلابد أن تمتلك من حقيقة القوة المعنوية والمضمون البنيوي أو على الأقل الظواهر المحكمة والبريق المبهر، ما يخولها البقاء ويتيح لها الخلود.

كما ولابد لتلك الطروحات والشعارات والاصطلاحات الرئيسية من أخريات داعمة ومسندة ولو كانت جزئية ومحدودة، كالحكمة الخالدة في أذهان الإسلاميين مثلاً بأنه “علينا أن نعمل وليس علينا إدراك النتائج”، وهي وسابقتها عجيبتا الدهر في حقيقتيهما لمن تأمل!!

والمشكلة الحقيقة هنا أننا نفصل تلك الابتلاءات عن مسار الخطة الواقعية لتحقيق المكنة في الأرض فلا يكونان في نفس السياق غالباً، بل ربما تكون في طريق عكسي لهذا المسار.

ومنبع الاثنتين واحد ومصبهما كذلك، فهما إنما صيغتا لتبرير تأخر النصر وشدة المحنة؛ فلا ينبغي ساعتئذ السؤال عن انعدام الرؤية أو ضبابيتها عند القيادة، ولا يجب الانتباه إلى العجز عن تحصيل أسباب القوة وادوات التغيير، كما يعد مجرماً أو محرماً كل من يحاول الخروج عن الإطار الحاكم للجماعة، طالما أن البلاء هو قدر رباني ضروري ولازم ودائم، وأن التمكين هو كذلك قدر “كراماتي” واجب الانتظار طالما قدمنا قربان “البلاء” الذي سقيناه بماء الصبر؛ فهو قدر إذن لا شرع يقوم بأسبابه والإعداد له والكفاح من أجل تحقيقة!!

والمشكلة الحقيقة هنا أننا نفصل تلك الابتلاءات عن مسار الخطة الواقعية لتحقيق المكنة في الأرض فلا يكونان في نفس السياق غالباً، بل ربما تكون في طريق عكسي لهذا المسار.

بمعنى أن العمل لنصرة الدين وسياسة الدنيا به وأحقيتنا في تصدر منصب الحاكمية به؛ هي خطة زمنية ينبغي أن تكون محددة المراحل، وخريطة للعمل يجب أن تكون واضحة المعالم والمساحات، وقد تقع في سبيلها العقبات والمحن التي تشكل تعويقاً متوقعاً لها -او هكذا ينبغي ان يكون- مع وجود بدائل مطروحة سلفاً لا ارتجالاً وبهذا يأخذ واقع البلاء كمتلازمة للدين وأحد حقائقه؛ يأخذ موقعه كاحد مفردات هذه الخطة وجزء من معالمها لا شيئاً منفصلاً عنها.


التعليقات