الشيخ أشرف عبدالكريم.. نموذج للاعتبار

عندما دخلت سجن أبوزعبل شديد الحراسة عام ٢٠٠٩ لم يكن في عنبر المعتقلين المستجدين سوى أحد كوادر الجماعة الإسلامية من المعتقلين، وهو من معلمي القرآن، إذ كان يجيد القراءات العشر، فاستغربت لأن كافة المعتقلين من الجماعة غادروا السجن على مدى سنوات عقب مبادرة وقف العنف التي تفاعلت معها الحكومة في أكتوبر ٢٠٠١ عقب أحداث سبتمبر مباشرة، ولكن قيل لي أن الأخ رافض للمبادرة، وبعد أيام تعرفت عليه، وسألته حضرتك منذ متى في المعتقل؟، فقال منذ ١٧ سنة. أي منذ عام ١٩٩٢ وهو مواليد١٩٦٩.

فسألته سمعت أن حضرتك رافض للمبادرة، وحقيقة لا أفهم سبب هذا الرفض، فقيادات الجماعة (خلصوا الموضوع خلاص)، وانتهت تلك الحقبة من تاريخ الجماعة.

فقال أنا لست متعبدا لله بخيارات الجماعة، ولا أرفض المبادرة لأني أصر على مواصلة المواجهة، إنما أرفضها لأني معلم للقرآن، فكيف أعلم الناس كتاب الله، وفيه قوله تعالى (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا) ثم أفعل عكس ذلك.

وكيف أقرأ قوله تعالى (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال..) ثم أحرض المؤمنين على الركون للطغاة والظالمين، وأزعم أنهم أولياء أمور.

فقلت له ولكن ما قيمة موقفك، فتلك الجولة من الصراع انتهت، والجماعة دفعت ثمنا باهظا، وسعت بالمبادرة لانقاذ ما يمكن انقاذه، ومع تقديري لا أحد يعرفك خارج السجن ولا يسمع بك… فقال يكفي أن تأتي أجيال جديدة مثلكم وتعلم أن هناك من رفض الإقرار بشرعية هؤلاء الطغاة، وحافظوا على نهج الإمام أحمد والبويطي رحمهما الله.

ويوما ما زارته والدته ووجدته في غاية الفرح لأنه لم يراها من مدة قبل قدومه إلى سجن أبوزعبل القريب من منزله، فهو من منطقة أبوزعبل نفسها، كما قيل لي أن شقيق الشيخ أعدم في التسعينات على ذمة محاولة اغتيال حسني مبارك بمطار سيدي براني.

ثم بعد أيام جرى نقله إلى سجن الوادي الجديد مجددا، وقد كان الشيخ بسيطا في هندامه ومعيشته، هينا لينا مع إخوانه، ولم أعرف أنه خريج كلية علوم سوى بعد فراقه إذ كنت أحسبه لم يتلق تعليما جامعيا.

ومرت الأيام وأُفرج عنه عام ٢٠١٠ تقريبا، ثم جاءت أحداث الانقلاب، ووقعت مجزرة رابعة العدوية، ورغم عدم تبني الشيخ لنمط المشاركة السياسية ، إلا أنه نزل للشارع رفضا للانقلاب، ولقى ربه يوم الفض برصاص عناصر الشرطة بالقرب من نادي السكة الحديد.

فهذا الشيخ أشرف عبدالكريم وأمثاله، هم ممن رأى المرء فيهم تعظيم كتاب الله، والخشية من مخالفته، وتعلم منهم في أوقات قليلة معاني كبيرة.


التعليقات