في مطلع التسعينات كنت ممن تشرفوا بحضور محاضرات د يحي الدعوية والتربوية بكلية العلوم جامعة المنصورة، والتي كثيراً ما كانت مشاركة بينه وبين المعلم والمربي د أحمد الوصيف رحمه الله تعالى.
رجال تبدت في حياتنا وسطرت في صفحاتها سطوراً، تلمع أحياناً كثيرة فتضيء لنا حيناً أو تنبهنا وتحذرنا أحياناً، ربما نسيهم البعض لكن مثلي لم يكن له لينساهم يوماً
غالباً ما كانت المحاضرات في مدرجات الكلية أو مسجدها القديم، وكانت مزيجاً ممتعاً بين قمتين من ذراها الرابية، تلك الكلية التي كان أغلب رموزها واساتذتها يدينون بالولاء للإسلام وقضيته.
لم تكن مسحة الحزن والتأمل خافية على دكتور يحي عزب رحمه الله لمن يعرفه جيداً، تلك المسحة التي لم تفلح يوماً أن تخفي قوته وصلابته في الحق، كما كانت التربية بمعاني القرآن العظيم هي شغله الشاغل، وشعوره البادي بالمسئولية تجاهنا نحن طلابه وإخوانه الصغار كما كان يسمينا، كما كان صاحبه وأستاذنا الدكتور احمد الوصيف أمثولة في الجهر بالحق والعمل به.
رجال تبدت في حياتنا وسطرت في صفحاتها سطوراً، تلمع أحياناً كثيرة فتضيء لنا حيناً أو تنبهنا وتحذرنا أحياناً، ربما نسيهم البعض لكن مثلي لم يكن له لينساهم يوماً، كيف ذلك وهم بعض من ساهموا في تشكيل عقليتي وترتيب بعض اولوياتي في الحياة؟ كيف وهم بعض قدواتي ورموز هذا الدين ومعالمه على جنبتي طريقي.
واليوم يموت د. يحي عزب بعد بلاء طويل في صراعه مع المرض وصبر على قضاء الله وقدره واحتساب فيه، بلاء لم يغلبه إلا غياب ولده إبراهيم ربما لآخر عشرة سنوات من حياته الطيبة النقية التقية التي عمرها بالعلم والعمل والإيمان والدعوة إلى الله وعمل الخير سراً وجهراً.
رحل الدكتور عزب بعد عذاب ولده وعذابه ليعجل إلى الله الشكوى عسى الله يرحمه ويتقبل منه فيعجل لنا الفرج، أو يخرج لنا من بني مصر؛ أمثاله وولده ليذيق فرعون مصر وجنوده؛ منهم ما كانوا يحذرون.
لقيته آخر مرة منذ سنوات بعد خطبته للجمعة في مسجد مساكن أعضاء هيئة التدريس؛ على انقطاع دام سنوات لم أكن قد رأيته فيها، فإذا به شيخ هرم قد غيرته السنون كما غيرتني، ورأيته لا يستطيع المشي وقد كلت قدماه المباركتان؛ أسأل الله أن يبدله خيراً منهما في الجنة.
ويومها كان الأخ الدكتور إبراهيم واقفاً في المسجد -وكان ما يزال طالباً في كلية الصيدلة- بين أطفال وشباب المسجد الذين يصغرونه سناً، والذين كان يحفظهم القرآن منذ مطلع شبابه.
إذن فقد توفي اليوم الدكتور المربي يحي عزب يشكو لربه حرمانه من ولده المظلوم وسجنه وطول غربته وعذابه ككثير من شباب مصر، والذين ربما زاد عن أكثرهم بحكم يتهدده بالإعدام؛ وسط صمت من جميع الظالمين من مؤيدي مجرم مصر وطاغوتها الأكبر، وصمت العالم الظالم الدعي الذي ما فتأ يستحل دمائنا ويقتات عليها!!
رحل الدكتور عزب بعد عذاب ولده وعذابه ليعجل إلى الله الشكوى عسى الله يرحمه ويتقبل منه فيعجل لنا الفرج، أو يخرج لنا من بني مصر؛ أمثاله وولده ليذيق فرعون مصر وجنوده؛ منهم ما كانوا يحذرون.
التعليقات