المأزومون

ويكأن أحدهم يكتب وعقارب الحقد تلدع أسته أو تلدغه حيات الضغينة فينفثها سماً منمقاً حيناً من فمه ومبعثراً أخرى عند الآخر. فكأنك ترى اليأس وقد تمثل بجثته فيهم -قاتله الله إن كان ذا جثة-، أو تراه قد أخذ حناجرهم بأصبعيه الإبهام والسبابة، فأبهموا وسبوا !!

فترى واحدهم يكتب عن حماس؛ فتحسن الظن به لغفلتك وتحسب أنه سيرفع الالتباس ويساهم في دفع البأس، فإذا هو شر من فتح وعباس!! أو ينتقد جبهة النصرة فلا ولاء ولا براء ولا نصرة

وقد رمتنا الجاهلية بران قلوبها يسمونه الفيسبوك وأخواته، فظنها البعض وسيلة مناسبة للتعبير عن فحولته الضائعة وإثبات غيرته المرَضية، نعم غيورون هم على الدين؛ فيظلمون أتباعه خاصة المتدينين منهم، وأخص من ذلك إن لم يكونوا على هواهم وطريقتهم.

كما أنهم غيورون على المسلمين فيذمونهم ويرمونهم بكل نقيصة!! وكأن شيطان نجد -عياذاً بالله- قد مسهم وأنبت في رؤوسهم قرنه فصاروا يتخبطون هنا وهناك ويكفرون أو يضللون هذا وذاك!!

فليقدموا فكرا أو جديداً أو علماً أويسلوا حديداً، لكن يبدو أنهم يعبرون فقط عن أزماتهم الشخصية ونزعاتهم الذاتية، وطموحاتهم بالزعامة أو الريادة.

فترى واحدهم يكتب عن حماس؛ فتحسن الظن به لغفلتك وتحسب أنه سيرفع الالتباس ويساهم في دفع البأس، فإذا هو شر من فتح وعباس!!

أو ينتقد جبهة النصرة فلا ولاء ولا براء ولا نصرة!!

بل تصير كل الفئات العاملة والتيارات المجاهدة والدعوات النااصحة قديماً وحديثاً؛ تصير عناصر توترهم وتزيد في تأزمهم، فكل هؤلاء يذكرون المأزومين بأزمتهم، فلا علم ولا حركة ولا أطروحة تميزهم، إلا نقد كل هؤلاء وتفنيدهم بغير هدف يذكر!!

كل هذا وهو مجرد زعيم صفحة بفيس بوك ورئيس دولة حساب شخصي، فما الحال لو كان رئيساً أو وزيراً أو قاضياً أو عريفاً أو شرطياً أو جابياً؟! لَجَلدَ ظهورنا قبحه الله ساعتئذ!!

ولا يضع أحد من أولئك المأزومين مصلحة أمة محمد في حسبانه، ولا يستنكف أن يخفر ذمة محمد في أحد من أمته.

المأزومون إذاً حالة، والمأزومون فكرة، والمأزومون سوس يسري وعضد يُفت وعظم يُنخر.

حتى أنك لترى أحدهم -لا رأيت مخذولاً- يكتب تقريباً في كل منشور له: أن هذه صفحته وهو حر يكتب فيها ما يشاء، وهذا حسابه الشخصي ولا حق لأحد أن يعقب على كلامه او يناقشه فضلاً عن أن ينقده أو يرفضه، يكتب ذلك في شأنه كله وتعليقاته كلها ورودوه على الدهماء الذين يتجرأون أو يتشرفون بأية محاولة للرد عليه -إلا المدح-، وأية كلمة -اللهم إلا التأييد المطلق، حتى أشفقت عليه والله أن يقول: لا معقب لحكمي ولا راد لقضائي، أو يردد متمايلاً كالمجذوب: “سبحاني سبحاني ما أعظم شاني”!!

كل هذا وهو مجرد زعيم صفحة بفيس بوك ورئيس دولة حساب شخصي، فما الحال لو كان رئيساً أو وزيراً أو قاضياً أو عريفاً أو شرطياً أو جابياً؟! لَجَلدَ ظهورنا قبحه الله ساعتئذ!!

فهم كما أسلفت عقائديون ليسوا عراة من المبادئ والمنطلقات الصحيحة، وإن تعروا من رداء الرشد الذي يضبطها بعدما فقدوا إزار العقل الذي يعقلها.

كما أن “المأزومين” حالة تجلط تاريخية معينة، فبعضهم كان عسكرياً أو أكاديمياً أو أميراً في جماعة أو حزبياً في برلمان أو نقابة، حالة رجعية متفردة من تسلط السلطة على نفوس أصحابها؛ تؤرقهم، تؤزهم، تقلقهم، وتؤزمهمحالة من الطموح إلى الارتفاع والعلو والهيمنة، حالة مغلقة نفسياً و فراغية حركياً.

كما تعبر صفة الأزمة في حقيقتها عن “صدمة فقدان الهوية” او “صدمة فقدان الثقافة”، فهم كما أسلفت عقائديون ليسوا عراة من المبادئ والمنطلقات الصحيحة، وإن تعروا من رداء الرشد الذي يضبطها بعدما فقدوا إزار العقل الذي يعقلها.

حالة الفقدان الهوياتية او الثفافية تلك، تبدأ بالذهول والجمود أو الثبات والركود فترة في حياتهم، ثم تحركهم مرحلة تالية لها هي عبارة عن نكران لما جرى ويجري واختلاق تصورات كالمسكنات ألا يفقدوا عقولهم بعدما فقدوا مقومات وجودهم، ثم تتبعها حالة من الجنوح إلى الجماعية والنشاط الدائب في اي اتجاه، ثم ينفلتون او يدعون كل شيء بل ويبدأون في صياغة منظومة قيمية معاكسة لتلك التي كانوا عليها؛ ربما كانت ضد الأمة نفسها بالغلظة والقسوة عليها حيناً وتكفيرها واستحلالها أحياناً، او حتى بالانضمام لاعدائها انتهاء كصاحب جائزة الطاغوت لا أجازه الله.


التعليقات