لماذا خلقنا الله؟

سؤال طرحه عليّ أحد حفاظ القرآن وهو يعرف إجابته؛ لتحفيز الذهن والتدبر في الآيات المحفوظة، إلا أنه في نظري يستحق لأن يكون مادة للحوار..

لقد استدعى هذا السؤال في ذهني موطن خلل في تصور الإسلام لدى قطاع كبير من المسلمين؛ عاش ردحًا من الزمان مغيبًا عن دينه

هل خلقنا الله لعبادته كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)؟

أم خلقنا ليبتلينا ويختبرنا كما قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)؟

أم خلقنا لعمارة الأرض كما قال تعالى: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)؟

قد تكون الإجابة بديهية للوهلة الأولى.. ولكن فقط حاول أن تعبر عنها ستكتشف أن الأمر يحتاج لمزيد تأمل..

لقد استدعى هذا السؤال في ذهني موطن خلل في تصور الإسلام لدى قطاع كبير من المسلمين؛ عاش ردحًا من الزمان مغيبًا عن دينه، في إطار حملة تجفيف المنابع التي شنها النظام البائد على عقول وقلوب الشعب المصري..

يبدأ الخلل من الفهم القاصر للعبادة؛ حيث ظلت في حس الكثيرين تعني الصلاة والصوم والزكاة والحج، وما عدا ذلك فشئون دنيوية قد نستدعي فيها الدين عند الحاجة فقط، وغاب عنهم قوله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )..

حتى من كان يؤمن بشمول مفهوم العبادة لكل مناشط الحياة، كان يفتقد غالبًا إلى ممارستها عمليًا في ظل غياب اقتصاد وسياسة واجتماع تستند في مرجعيتها إلى أصول الإسلام..

غاب عنهم أن العمران الحقيقي هو عمران الإنسان والحضارة بناؤها الأساس هو الإنسان، وأن تلك المظاهر الحضارية تابعة لا أصلية، غير مقصودة لذاتها، وإنما مقصودة لغيرها

ويتبع ذلك خلل آخر في مفهوم الابتلاء، الذي انحصر لدى كثيرين في معناه الخاص بالمصائب والأقدار المؤلمة، وغاب عنهم قوله تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ).. غاب عنهم أن عبادة السراء الشكر، وعبادة الضراء الصبر، ولا يخلو العبد من أحد الحالين؛ فعليه لله عبودية في جميع أحواله، كما في صحيح مسلم، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ)..

ويتبع ذلك خلل ثالث في مفهوم عمران الأرض الذي انحصر في أذهان الكثيرين في تطور أمور الزراعات والصناعات ونحوها من مظاهر الحضارة ورفاهية الأمم، وغاب عنهم أن العمران الحقيقي هو عمران الإنسان والحضارة بناؤها الأساس هو الإنسان، وأن تلك المظاهر الحضارية تابعة لا أصلية، غير مقصودة لذاتها، وإنما مقصودة لغيرها، ألا وهو خدمة ذلك الإنسان، الذي كلف بعمران قلبه ومجتمعه ودولته بعبادة الله، فإن لم يفعل فمصيره ومصير تلك الأرض التي ملأها بزخارف الحضارة المزعومة قد حكاه الله في قوله: (حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)..

هل أجبت الآن على السؤال؟!


التعليقات