بصائر قرآنية – الذي هو عدو لهما

أخذ موسى (عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام) العهد على نفسه: (رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ).. لن أترك نصرة المظلومين.. لأن في تركي نصرته معاونة مني للمجرمين..

ولأن النصرة يسبقها العلم.. العلم الذي يفرق به المرء بين العدو المجرم.. والصاحب المظلوم.. قال الله:(هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ)..

وتعينت النصرة بطلب الغوث: (فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ).. فكانت النتيجة: (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ)..

وفي ظل حالة الخوف والترقب من موسى وشيعته.. فالكل متحفز متربص للفتك بهما.. لم يدرك الذي من شيعته (المغلوب على أمره) الواقع.. ولم يقدر الأمر حق قدره.. فلم يلتفت لرفض الجماهير من شعب مصر له ولشيعته.. فبدلا من أن يتوارى.. استعدى عليه العدو مرة أخرى.. وأراد أن يورط موسى من جديد: (فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ)..

حينئذ أدرك موسى حقيقة الرجل الذي من شيعته.. فلم يكن موسى ساذجًا.. فقد أدرك أن هذه الأفعال ليست بأفعال المسئول.. بل أفعال من يجر على نفسه وعلى غيره الضرر الجسيم.. وسرعان ما أعلن رأيه في وجهه: (قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ)..

لكن.. بنفس وضوح غواية هذا وخطأه في تقدير الأمور.. كان وضوح عداوة الآخر لموسى ولمن هو من شيعته (صفه الإسلامي).. لذا قال الله: (فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِش بِاَلَّذِي هُوَ عَدُوّ لَهُمَا)..

موسى لم يكن ساذجا.. لكنه كذلك لم يكن ندلا أو جبانا.. ولم يكن يوما ظهيرا للمجرمين.. بل كان على العهد في نصرة المظلومين.. فالمجرم لم يكن عدوا لمن اعتدى عليه فقط.. إنه (عدو لهما)..


التعليقات