المصدر: مدونة العدسة
عقب موجة الثورات المضادة التي ضربت بلدان الربيع العربي، ومجازر السيسي الدموية ضد الأبرياء، وتحول الشام إلى ساحة اقتتال عالمي صار أبرز سؤال يطرحه المهتمون بأمر الأمة عامة، والشباب منهم خاصة: ما الحل؟ وماذا نفعل؟!
وهنا لن أتكلم عن الحرص على أداء الشعائر التعبدية والمداومة على الدعاء والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى وما شابه، فهذه أمور من المفترض أن تلازم الإنسان المسلم في كافة أحواله. ولن أقدم حلا سحريا يتجاوز العقبات ويحل المشكلات بشكل فوري. إنما سأحاول أن أشير لأشياء نحتاجها في حياتنا، وتمثل خطوات للأمام. و بسبب غيابها رغم بساطتها تتعثر الكثير من المشاريع الجماعية وتموت العديد من المواهب الفردية.
فمن المُسلّم به أن مهارات الأشخاص تتنوع وتتفاوت، فهناك من يملك عقلية شمولية تؤهله للرؤية الكلية للمشهد ورسم الاستراتيجيات المحكمة، وهناك من يملك فهما دقيقا وذاكرة قوية تؤهله لأن يكون مشروع عالم في الشريعة يتصدر للإفتاء في النوازل والمستجدات، وهناك من يملك كاريزما وقدرة على الأداء الإعلامي المميز والتأثير في عموم الجماهير، وهناك من يملك سمات تؤهله لأن يكون مربيا ناجحا يشرف على بناء الأفراد وتكوين الكوادر والارتقاء بهم، وهناك من يجيد لغات أجنبية تتيح له ترجمة مجالات لم تترجم للعربية حتى اليوم، مثل علوم الاستخبارات المتنوعة ومكافحة التمرد، وهناك من يملك شغفا هندسيا وقدرة على الابتكار والاختراع لمعدات وأجهزة وبرامج تضيق الفجوة التقنية بيننا وبين الغرب، وهناك من يملك معلومات يمكن أن يفيد بها أهل الشأن، فكم من تجارب أخفقت لعدم توافر المعلومات المناسبة عن الخصوم في الوقت المطلوب. كل هذه المواهب وغيرها قد تضيع هباء.
ومثلما نحتاج إلى استثمار الإمكانات المتوافرة، نحتاج للتركيز والبعد عن العشوائية، فهناك أناس يقضون حياتهم في لا شيء، ويمضي بهم العمر دون أن يُحَصّلوا شيئا ذا قيمة أو أن يقدموا فائدة لها اعتبار.
فكم نلتقي في حياتنا بشخصيات مميزة وكوادر نادرة، ولكنها مطحونة في دوامة أعباء الحياة ومتطلباتها، لا تملك من العلاقات ما يمثل لها نافذة تتفرغ من خلالها لأداء الدور المأمول منها لو وجُهت لها بعض أوجه الرعاية والدعم.
ومن العجيب أنه يمكن لشخص لا يملك أي موهبة ذاتية عقلية أو علمية أن يفيد النماذج السابقة من خلال أمواله أو دوائر علاقاته الواسعة التي تتيح له فتح مسارات رعاية وعمل أمام الأصناف السابقة، وهو بذلك يقدم خدمة جليلة لأمته.
فالجهاد بالمال قرين للجهاد بالنفس، ويعمل الخصوم على مصادرة الأموال مثلما يعملون على سجن الأجساد. ولديهم دول ومؤسسات ترسم الاستراتيجيات والسياسات وتشرف على تنفيذها وتقدم الدعم المالي والفني والمعلوماتي اللازم لإنجاحها، بينما أمتنا منذ سقطت دولة الخلافة تستند على الجهود الذاتية لأبنائها، لذا لابد من تضخيم هذه الجهود الذاتية ودعمها واستثمار كافة مهارات الأفراد لجني الثمرة المنشودة.
ومثلما نحتاج إلى استثمار الإمكانات المتوافرة، نحتاج للتركيز والبعد عن العشوائية، فهناك أناس يقضون حياتهم في لا شيء، ويمضي بهم العمر دون أن يُحَصّلوا شيئا ذا قيمة أو أن يقدموا فائدة لها اعتبار.
كما نحتاج إلى إبراز الرموز الصالحة والقدوات والتعريف بهم، مثلما نتصدى للفاسدين ونسقطهم، إذ نجد غالبا الشخصيات الانتهازية والمريضة تعكف على التصدر وفرض نفسها، بينما الشخصيات الجيدة غالبا ما تتوارى حرجا وحياء، وفي ذلك قال الشاعر: وذو العزم جُن أنانية وأفسده المسلك الخائر، وتعوذ عمر بن الخطاب رضي الله عنه من جلد الفاجر وعجز الثقة.
البعض قد يسخر مما سبق فهو يريد حلا سحريا يغير الواقع في برهة وبعضهم يراهن على القوة العسكرية فقط، بينما القوة العسكرية لا تجدي وحدها إن غابت عنها أدوات القوة الأخرى، وسرعان ما تتحطم على صخرة الأخطاء الاستراتيجية والسياسية والأخلال الإيمانية والفكرية والتربوية فضلا عن الفوارق التقنية.
أمثال هؤلاء الحالمين سينتظرون أمانيهم دون أن يتقدموا خطوة في الاتجاه الصحيح. فالحلول الجزئية تمهد للحلول الكلية وتسبقها.
وقد عاصرت في السجون قبل الثورة بعض المعتقلين ممن يعيشون في يأس وبؤس لا يستفيدون بأوقاتهم وخرجوا من السجون مثلما دخلوا بل ربما أسوأ حالا، بينما رفاقهم الآخرين استفادوا علميا بالقراءة وإنسانيا بالاطلاع على تجارب من سبقوهم، واجتماعيا بتكوين شبكة علاقات واسعة، ورياضيا بالتمرين والتدرب، فلما خرج الجميع سواء قبل ثورة يناير أو خلالها أو بعدها، لم يقدم الصنف الأول شيئا، بينما الصنف الثاني برز منه قادة وسياسيين ومجاهدين ومربين أفادوا أمتهم في تلك اللحظات الحرجة.
التعليقات