القيوم هو من قام بنفسه واستغنى عن الخلائق فقام به كل شيء؛ فكل نفس يخرج أو يدخل في صدرك ﻷنه قام به، وما خرج زفيراً أو دخل شهيقاً إلا بأمره تعالى اسمه.
يسمع العبد أصوات الخلائق لكنه يصم عن سماع الحقائق، وينطق بالكلمات لكنه يخرس عن تلاوة اﻵيات، ويبصر المرئيات لكنه لا يرى حكمة الله في الكائنات
كل دقة في قلبك قامت به؛ إذ هو القابض الباسط، كل عضو في بدنك؛ عقلك، كبدك، يدك أو رجلك، عينك، اذنك؛ قامت كلها بالقيوم وتعلقت به وبأمره..
إن رفع عنها القيومية وأوكلها إلى عجزك وضعفك وجهلك أو تركها في حر وهجير مشيئتها وعجزها أو ترد إلى ذواتها؛ سقطت..
فإن شاء رفع قيوميته عن سمعك فلا تسمع فيُسمى حينئذ صمما، وإن شاء رفعها عن بصرك فلا تبصر فيُسمى عماً، وإن شاء رفعها عن لسانك فلا ينطق فيُسمى بكماً، فلا يقدرون على شيء، وما ذاك كله إلا شيئاً واحداً وهو سقوطها عن رتبة القيومية أو ارتفاع القيومية عنها..
وإن شاء رفعها عن كبد العبد فعطب وانتهى، وعن معدته فلم يهنئ بطعام أو شراب، وعن رجله فصار أشلاً، وان رفع قيوميته عنه بالكلية خرجت روحه واستردت وديعته إلى صاحبها.
وشر ما يكون رفع القيومية عن قلب العبد وسمع قلبه وبصر قلبه ولسان قلبه، عندئذ يكون مبصرا لكنه ليس بصيرا وسامعا لكنه ليس سميعا وناطقا لكن ليس فصيحاً ..
فيسمع العبد أصوات الخلائق لكنه يصم عن سماع الحقائق، وينطق بالكلمات لكنه يخرس عن تلاوة اﻵيات، ويبصر المرئيات لكنه لا يرى حكمة الله في الكائنات، وعندئذ لا يعرف الأشياء في حقائقها وعبوديتها لله الحي القيوم.
وهؤلاء من قال الله فيهم:- (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) وإنما الصمم والعمى والبكم عن الحق لا عن الخلق..
التعليقات