قدرية العقوبة وعموم البلاء

كثيرا ما سئلت وسألت نفسي هذا السؤال، خاصة إذا قلت لأحد أن الله كثيرا ما يمهل الظلمة والطغاة حتى يذيق أولئك الذين اتبعوهم وأيدوهم وبال أمرهم وتكون عاقبة أمرهم خسرا..

خصيصة أخرى في العقوبات الربانية، وهي أنها كانت تتنزل أحيانا بصورتها الكونية العامة التي تجري بها اليوم، كما كانت ترد بأوامر تشريعية في زمن النبوات..

وذلك أن قدر الله ليس انتقائيا، سنة ربانية مطردة تؤكدها الاستثناءات كالمعجزات والكرامات ولا تنفيها، ولا تكون السنة الكونية هي انتقائية القدر إلا إذا أوشك الكون نفسه على الفناء..

ولذلك حينما استبدل الله تعالى أهل الفترة السابقين على سيد المتقين؛ استبدلوا جميعا بمن فيهم البقايا التوحيدية من أهل الكتاب وغيرهم، وإذا خسف الله بجيش الشام عند ذي الحليفة، يهلكون جميعا وفيهم سوقتهم ومن ليس منهم، ويبعث كل على نيته تماشيا مع هذه السنة!!

خصيصة أخرى في العقوبات الربانية، وهي أنها كانت تتنزل أحيانا بصورتها الكونية العامة التي تجري بها اليوم، كما كانت ترد بأوامر تشريعية في زمن النبوات..

ولذلك حينما ظلم الذين هادوا من بني إسرائيل أنفسهم وصدوا عن سبيل الله -رغم أنهم لم يكونوا جميعا مطبقين على هذا- قال الله تعالى فيهم: (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا).

ومعلوم أن هذا التحريم عمهم جميعا حتى أحل لهم المسيح ﷺ وعلى نبينا؛ بعض الذي حرم عليهم، فلم يفرق بين أحد منهم في كلا الأمرين؛ الحل والحرم.

وكذلك لما عبدوا العجل أمرهم الله أن يقتلوا أنفسهم بأيديهم، حتى قال المفسرون -في عدد يعوزه التحقيق- أنهم قتل منهم سبعون ألفا بأيديهم في ليلة واحدة!!

تحريم الطيبات اليوم في هذه الأمة يتأتى بالغلاء والوباء والفتن والمحن، فيمتنع الناس عن الرزق الحلال لعدم وجوده أو عدم قدرتهم عليه، وكذلك يقتل الناس بعضهم بعضا هرجا لا عقل فيه

وواضح أن كلا العقوبتين وردتا بأمر شرعي على لسان نبي، وهو سيدنا موسى ﷺ وعلى نبينا، فإذا انقضى زمان الأنبياء بوفاة سيد الأتقياء ﷺ، صارت العقوبات تتنزل كونية قدرية فقط!!

بمعنى؛ أن تحريم الطيبات اليوم في هذه الأمة يتأتى بالغلاء والوباء والفتن والمحن، فيمتنع الناس عن الرزق الحلال لعدم وجوده أو عدم قدرتهم عليه، وكذلك يقتل الناس بعضهم بعضا هرجا لا عقل فيه:

في ظل عمياء جونة ترى ال // جور عدلا أين لا أين تذهب

فإذا استخف الطاغوت قومه فأطاعوه في القتل والسفك والغصب، بل واجتمع منهم النفر الكثير على هذه الجريمة؛ فلابد أن يقع عذاب الشح والجدب وقلة المؤنة، كما يقع لزاما؛ الهرج والقتل فيهم بأيديهم في عاجلة الأمر؛ فتنة للناس!!

وحينئذ يعم الخطب وتشتد على الناس جلالة الأمر، ويقع ذلك على المؤمن والكافر والبر والفاجر..

فعلام يكون هذا وقد أوجب الله على نفسه من غير موجب؛ أنه لا يظلم ربك أحدا؟!

والجواب أن الله يجازي الفاجر على جرمه عقوبة، ويوجب على المؤمن مدافعة الظالمين شرعة، ولو انتقى القدر جدارة العقوبة أي أهلها؛ لسقطت سنة المدافعة فلم يقم بها أولو بقية من الناهين، وكانوا أحق بها وأهلها، قال تعالى: ((فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين) سورة هود

فحقت كلمة ربك على المجرمين، واجتهد الناهون في دفعهم قدر وسعهم؛ نجاهم الله وأهلك القوم الظالمين: (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين).

ودليل ثبات هذه السنة والخصيصة الربانية الكونية، هو أن انتقائية القدر تحدث بالفعل عند بدء انحلال الكون نفسه وانعكاس أو بطلان نواميسه الكبرى، فتهب ريح حمراء من قبل اليمن في مشهد وداعي حزين وموكب ختامي مهيب نحو القيامة، فلا تذر روحا مؤمنة إلا قبضتها..

وأن إلى ربك المنتهى..


التعليقات