شقشقة مهدوية

حدد القول النبوي الحكيم والمعصوم خطاً للتطور التاريخي للأمة المسلمة، هذا الخط تم التشويش عليه عن عمد بفعل ملوك الحكم العضوض فضلاً عن حكام الجبرية بعد ذلك.

فمن أجل استقرار الملك تم تصدير أطروحة الحاكم المتغلب الاجتهادية المصلحية وكأنها أصل محكم، بل ووضعت أحاديث أو أدرجت زيادات موضوعة أو ضعيفة في أحاديث صحيحة؛ لخدمة نفس القضية من عينة: “وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك” و “المؤمن كالجملِ الأنِفِ، حيثما قيد انقاد” ، في مقابل الوحي النبوي الشريف: [من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد] و [لتأطرنهم على الحق أطرا ولتقصرنهم عليه قصراً].

وتلك الزيادات على الوحي وبغض النظر عن نية العمد فيها من عدمها إلا أنها في أحسن أحوالها لا تنهض للصحيح الصريح من نص كلام النبوة، بل ولها تأويلات أخرى كالصبر على الولاة الشرعيين ولو كان في حكمهم بالشرع حداً مستحقاً في ظهرك أو أَرَشَاً أو ديةً تسدها من مالك للمسلمين عوضاً عن جناية، وأما زيادة “المؤمن كالجمل الأنف” فكان تاويلها أن المؤمن هين لين على المؤمنين، وعلى ذلك فلم تنتصب تلكم الزيادات أو الإدراجات رواية ولا دراية، فلم جعلها البعض لنا دستوراً ودليلاً في الخنوع للطغاة والظالمين؟!

ولم يكن هذا هو العيب الخطير والوحيد من تغييب هذا الخط ومضاهاته بغيره؛ وإنما ما ترتب عليه من تضييع قيمة الحكمة من ورود الخبر نفسه، وهي فلسفة الحركة الاجتماعية والتطور التاريخي والذي ينشأ عن التفاعل الذاتي والداخلي بالدرجة الأولى بل ويتعامل مع جدلية الشيء وضده أو نقيضه، لا بالصورة الهيجيلية الساذجة، وإنما بحيوية ومرونة تؤمن بهذا التفاعل الناشئ عن التناقض، بحيث يخرج حكم الملوك من الطلقاء وأبنائهم كنتيجة حتمية لعدل ورحمة النبوة التي أبت أن تفجر حمامات الدم أو تبدأ فتحها بملحمة داخلية، واستغلالاً لامتداد الخط النبوي المتمثل في عهود الراشدين المهدية.

ورغم وجود بقية من خير في هذه الملكيات إلا أنها ستنتج بشكل حتمي الديكتاتوريات الجبرية المجرمة والتي ستفتح الباب لدعاة المناهج الخطيرة الهدامة والفاسدة بالضرورة لتثبيت حكمها، ولأنها أقرب إليها بمقدار انحرافها عن خط النبوة الأصيل، أو اقترابها من معسكر أعدائه بعبارة أخرى.

ولما كان طبيعياً أن تؤدي هذه الحالة إلى أن تمتلأ الدنيا ظلماً وجوراً ، فكان من الحتمي أيضاً أن تثمر خروج المخلص أو المهدي عليه السلام، كأمل نهائي للخلاص والانعتاق من تلك الدائرة المرهقة والمعوقة لحركة الأمة وتحقق مبادئها وحقائقها وشرائعها في واقع الناس.

لكن السياق الشرعي يلتقي هنا بالقدري أيضاً إذ لا يلقي بالأمة في حالة من الترقب المهدوية أو التواكلية الغيبية، وإنما قدر الله فيما عنده أن جعل لها على رأس كل مائة عام مجدداً يجدد لها أمر دينها وجعل أولئك المجددين وأتباعهم هم صانعوا النصر، فهم يوطئون للإمام المهدي في آخر الزمان، وهم أنصاره من صالحي أهل مكة إذ يبايعونه، إلى أولي الأحلام والنهى من أهل مصر -منبر الإمام في آخر الزمان-، إلى أبدال الشام وعصائب العراق، ولو لم يبق من عمر هذه الدنيا إلا ساعة لتملك فيها ذلك الإمام عليه السلام.


التعليقات