لن أتعرض في هذا المقال لمواقف وائل منذ ٣٠ يونيو وما بعدها ، فهذا أمر يعلمه القاصي والداني ، بل سأدخل مباشرة في نقاش المضامين التي طرحها في منشوره الأخير.
إن دولة الخلافة التي ننشدها ليست دولة بني أمية ولا بني العباس التي تحتكر فيها أسرة من الأسر الحكم وتتوارثه فيما بينها ، بل ننشد دولة الخلافة الراشدة التي تبسط فيها الشورى ويقام فيها العدل ، ويطبق فيها مبدأ ( السيادة للشرع والسلطة للأمة) فتكون فيها المرجعية العليا لأحكام الشريعة فلا ينفرد بشر بحق التشريع والتحليل والتحريم إنما يُستمد ذلك من مشكاة الوحي ، ننشد الخلافة التي تختار فيها الأمة حكامها وتحاسبهم وتعزلهم متى أرادت ، وتمضي فيها أحكام القضاة على الحكام قبل المحكومين ، وهذا عاشته الأمة واقعا حقيقيا عقودا عديدة .
دولة الخلافة التي ننشدها تحمي المسلمين وتدافع عنهم لا دول التبعية التي تستمد وجودها من قهر شعوبها وحماية مصالح الغرب ، الخلافة التي تقيم الحق ويعيش الناس في ظلها أحرارا في عقيدتهم آمنين على أنفسهم لا الإمبراطوريات التي تقوم بغزو الشعوب وقتل المسالمين ونهب الثروات وتنصيب الحكام المستبدين لخدمة مصالحها .
دولة الخلافة التي توزع فيها الثروات بالقسطاس دون أن يحتكر فيها المال قلة يزداد ثراؤها بامتصاصها أموال الفقراء والمستضعفين .
دولة الخلافة الراشدة التي سادت عقودا فدخلت الشعوب في دين الله أفواجا دون جبر أو إكراه ، وبقيت آثارها قرونا فلم تذل الأمة لخصومها ولم تستعبد لصالح الأراذل من اليهود وحلفائهم.
وليس في الحوادث التي ذكرها غنيم ما يدعو لعدم العمل لبعث الخلافة ،بل فيها بعض ما يثبت أهميتها كحرص بقايا الرعيل الأول من أبناء كبار الصحابة على بقاء الخلافة نقية على أصولها ،فرفضوا توريث الحكم وسلب الأمة حقها في اختيار حكامها، فقال عبدالرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما عندما طلب معاوية رضي الله عنه البيعة لولده باعتبار ذلك ( سنة أبي بكر وعمر) : بل سنة كسرى وقيصر وإن أبا بكر وعمر لم يجعلاها في أولادهما، ولا في أحد من أهل بيتهما ، وشاركه رفض التوريث الحسين بن علي وعبدالله بن الزبير بن العوام رضي الله عنهم أجمعين ، بل وقُتلا في ذلك.
إن الخلافة ليست مطلبا دنيويا فقط بل هى بالأصالة واجب شرعي كلفت به الأمة المسلمة لتؤدي رسالتها الربانية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وليست حلما متوهما بل وعد نبوي يتحقق عقب انكسار الملك الجبري كما في الحديث ( ثم تكون خلافة على منهاج النبوة).
التعليقات