هناك “حالة نفسية” على الإنترنت تنتسب إلى الإسلاميين “خاصة” ربما كنتاج طبيعي لحالة انغلاق شديد تبعت مرحلة انفتاح شديد مع القهر والظلم والعسف والمذابح الجماعية مع قلة الزاد من علوم الشريعة وتربوياتها، هذه الحالة ربما تكون مستعصية على العلاج خاصة إذا عوملت على أنها “حالة عقلية أو فكرية” بينما هي في الحقيقة حالة “نفسية عصبية” !!
وهذا التعامل الخاطئ مع مثل هذه الحالات هو مما يزيد في استفحالها أصلا، فتبدو وكأنك تعامل مجنونا يبدو في منتهى العقلانية، وتحاول أن تقنعه أن ما يمارسه هو “أفكار” أو “تصورات” مغلوطة لا تليق بالمادة الصحيحة التي يعمل فيها ويتعامل معها العقل السليم !!
بينما يدور المجنون كاللديغ يحاول إقناع كل من حوله بعدم جنونه وأنه أعقل العقلاء، وكلما اجتهد ليثبت لهم ذلك تأكد لديهم بما لا يدع مجالا للشك أنه مجنون !!
هذه الحالة ظهرت بقوة منذ قيام ثورة يناير، حيث شعر بعض المغيبين والمهمشين والراكدين فجأة أن الفرصة قد واتتهم أخيرا ليثبتوا ذواتهم في الواقع، فليسوا هم أهلا لأي تحرك قوي ولا صمود نفسي في مضادة ومصادمة الواقع الخانق والدموي والعنيف والإقصائي ، وليس كذلك مستعدا على أي صعيد نفسي أو علمي أو شخصي للمواجهة، لذا تجدهم ولم يعرف لأحدهم أي تواجد من أي نوع فترة الاستضعاف المباركي، وهي فترة الغيبة الكبرى لأمثال هذه الحالات ..
فلم يعرفه الواقع الجهادي في عنفوانه ولا ما تلاه من محن ومواجهات ولم تشهده ساحات البالتوك منافحا او مهاجما ضد النصارى ولا الرافضة ولم تكن تحس منهم من احد او تسمع لهم ركزا في قضية كوفاء قسطنطين أو كاميليا شحاتة كما لم يشارك في الثورة ولم يشم ريحها وان ريحها لمسيرة أمتار من ميدان التحرير وميادين أخرى في مصر، كما لم يتجرع كأس الغاز مترعا أو يتحسس لسعات الخرطوش أو يمر الرصاص الحي من جوار اذنيه مرات ومرات.
أولئك الذين مكثوا دهرا في دروشات مشايخ الفضائيات يعدونها نورا على نور، ورتعوا حينا في تقديس “الدعوة البرهوتية” ثم انضموا فجأة إلى ألتراس الشيخ حازم أو غيره بعد ثورة يناير ..
شخصيات مجهولة؛ إنترنتية لم يرها أحد وربما لن يراها لسبب ما غير مفهوم، وكثير من تلكم الشخصيات تعيش في خارج البلاد لا مطاردة ولا مهاجرة ولا مجاهدة وإنما فقط خائفة ومتعايشة هناك في بلاد العيون الزرقاء والعجيب أن أغلبهم قد وجد ضالته في “داعش” أيضا، كفئة بلا سقوف تظلها ولا ضوابط تحدها !
هذا النوع المهمش أحس وقد أكرمه الله برياح الثورة تهب من حيث لا يحتسب، بأن الفرصة قد حانت ليبرز ويثبت ذاتيته ووجوده ويعبر عن كينونته، فانطلق جامحا لا يلوي على شيء ليقول كل شيء في أي شيء ، على طريقة “اللنبي” في فيلمه الأول وهو يقول: (ما تدونا فرصتنا بقه يا جدعان) بعد أن مثل ابرع مشاهده وهو يصرخ كالأسد: (نأخذ من كل رجل قبيلة)!!
نعم هي شخصيات في الظل -كانت وستظل- ورغم أن الفيلم قد انتهى تقريبا بإسقاط التجربة وانصرف المشاهدون او كادوا ورغم أنهم أخذوا فرصتهم وقد أخذ كل الرجال من كل القبائل تقريبا في مصر؛ فمازال “اللنبيون” يمارسون نفس العبث أمام الشاشة!!
لكنها ليست شاشة الفن السابع أو الفضية وإنما شاشة الكمبيوتر أو الموبايل الذي يتعاملون من خلفها بمنتهى الأمان مع ذواتهم قبل أن يمارسوها مع الواقع المحيط بهم.
ولذلك تراهم يظنون انفسهم ينافسون -أو يحاولون أن يهدموا- كل من حقق وجودا في تلك الفترة خاصة أصحاب الرصيد التاريخي الراسخ في الحركة الإسلامية وكل مشاهدها انتهاء بالثورة وما تلاها من منابذة للظلم والظالمين، دون هدف واضح اللهم إلا شعور المجنون بأن العقلاء قد سرقوا شيئا خاصته وحققوا “مجدا” هو يستحقه !!
التعليقات