الإسلاموفوبيا وتأسيس الخلافة الإسلامية

ارتقت الحركة الإسلامية سدة الحكم بعد ثورة يناير مستفيدة ومرتكزة على ركائز متعددة أهمها البعد العقائدي الذي تمثله وهو ما أكسبها كتلة بشرية هائلة ودوائر من المتعاطفين والمؤيدين واسعة.

غير أن هناك ركيزة أساسية قل أو انعدم تسليط الضوء عليها؛ ربما لأنها خصيصة غير مباشرة -رغم أهميتها- أو هي ميزة أهداها إليها خصومها في معسكر العلمانية العسكرية؛ تلك هي اعتقاد الناس بجمودها وتشددها وربما قسوتها في توقيع معتقداتها وتنفيذ أهدافها!

حتى تحدث الناس أن مرسي والإخوان سيغطون وجوه وأجساد النساء كرها بل قال لي بعضهم: هل ستطبقون الحدود علينا وتقطعون أيدينا ورقابنا؟!

وهذه خصيصة من خصائص الحكم ضرورية وهي إيقاع الهيبة في نفوس المحكومين، خاصة تلك القطعان من جموع العبيد والأذلاء الذين رتعوا دهورا في ظل الاستبداد وعشقوا قهر المستبدين.

وكان من الممكن بل من الحري بالإسلاميين عامة -أو إن شئت قلت جماعة الإخوان خاصة- أن يستغلوا تلك الحالة في إمضاء رؤيتهم وإقامة الحق والعدل مستغلين تأهل العقل الجمعي لتلك الحالة.

لكن العجيب أنهم سارعوا في نفي ذلك المفهوم والذي كان كالمُسلّمة عند الناس، بل واجتهدوا أيما اجتهاد لإثبات العكس، والتراجع أمام أي ضغط ولو موهوم مزعوم!

فكانوا كمن يقتل نفسه بيده، بل إنهم حاصروا عن قصد وتعمد كل من يطرح مفهوما خارج هذا التصور، فهكذا كانت السياسة عند أغلبهم؛ اجتهد في إثبات رقتك وعطفك وطيبتك ووطنيتك ودروشتك بل وربما قابليتك للامتطاء طوعا أو كرها!

في نفس الوقت بدأت آلة الدولة الغاطسة العمل ضدهم إعلاميا وسياسيا ومجتمعيا في الاتجاه المعاكس هذه المرة، لإثبات ضعف الإسلاميين وعجزهم بل وتجرئة العامة والخاصة عليهم سرا وجهرا حتى طال الأمر كرامة رئيس الدولة وشخصه وزوجته الكريمة، عملا بالمبدأ المشهور: لا دولة لمن لا هيبة له!

وكان من الممكن أن تنهي الآلة الجاهلية الجهنمية دوران تلك العجلة بمجرد إسقاط التجربة, والسيطرة على الدولة، لكنها استمرت لأمر يراد يتخطى التشويه ومحاولات الشيطنة إلى حيز من الهلوسة؛ ربما لضمان استمرار استئصال تلك الحركة وانتهاز الفرصة التاريخية في تحقيق الأهداف العلمانية الكنسية باستئصال أو تعجيز الحالة الإسلامية في مصر عجزا نهائيا مقعدا “حسب تصورهم المريض طبعا”، ولتقديم مبرر أخلاقي نفسي لقطعان المفوضين يسوغ قبول المذابح المروعة والاعتقالات والبطش والتنكيل، فحتى الجاهلية تحتاج تلك المسوغات لتمرير قبول جرائمها نفسيا والتعايش معها كأي مجرم.

لذا زعموا أن الإسلاميين -الذين لم يقتلوا احدا بل قُتلوا بالألوف- هم من يقتلون أنفسهم وأبناءهم، بل جعلوا لهم كرة أرضية تحت الأرض يدفنون جثثهم فيها، كما أنهم هم المسؤلون عن سقوط الأندلس وارتفاع حرارة المناخ في بلادنا المنكوبة؛ إلى غير ذلك من الترهات المخبولة والتي تقبلها الملايين؛ عجبا!

ومن الطبيعي أن يصدق فئام من الشعب هذه الأغاليط والضلالات؛ فربما لا يعرف أولئك ماهية الكرة الأرضية فيظنونها حفرة ما، ولا كيف ترتفع حرارة المناخ فيظنونه نفخ كير أو نفحة فران، وربما يظنون أن جماعة الإخوان نشأت في عهد الرسالة، او أن الأندلس هي التي سقطت سهوا منذ بضعة عقود، ولم لا وهم صنيعة عهد مبارك وتربية نظامه الفاسد الأهطل..

وربما زاد هذا الطرح عن حده استجابة لحالة الفجور العلماني العسكري الكنسي، حتى صار يصور الإخوان خاصة والإسلاميين عامة كجمعات تترية متوحشة، وأفيونًا يدمر المجتمعات التائهة، بل شيطانا أكبر يهدد العالم، حتى صار من الواجب التوحد الإنساني للتخلص منه أو مواجهته، فلنتحد إذن مع إسرائيل الشقيقة ودول الغرب الشفيقة وأمريكا العظيمة لمواجهة التحدي!

حتى قلت للدكتور المحترم محمد علي بشر – فك الله أسره- يوما في أحد اجتماعات تحالف دعم الشرعية؛ إنكم لن تجدوا من يخدم جماعة الإخوان كاعدائها, فوالله لو بذلتم أموال الدنيا لن تحققوا مثل هذه الدعاية التي تصور التنظيم الدولي كغول يلتهم العالم وأخطبوط يسيطر على المجتمعات!

وسيؤدي استمرار تكريس هذه الحالة إلى إعادة الدورة مرة أخرى بما يجعل هاجس الرعب الذي دفع خمسة وستين ألفا من جنود الجيش العراقي العميل للفرار أمام ثلاثة آلاف فحسب من مقاتلي الدولة الإسلامية في العراق بحسب شهادة وزير الدفاع العراقي نفسه!

ويجعل من مؤسسات الدولة الغاطسة عرضة للتهاوى أمام هذا الهاجس وقاعدته البشرية والمجتمعية في أول هزة حقيقية قد تحدث بقدر الله؛ رغم ما يتبدى من استقواء نسبي للنظام في مقابل حالة من التراجع والضعف للحراك الثوري الإسلامي، لكن الاستقواء لا يعني أبدا الاستقرار ..

ونفس هذه الحالة يتم تكريسها في اوربا وأمريكا منذ الحادي عشر من سبتمبر وهو ما أدى لحالة من الهشاشة المتأصلة في مواجهة مد الحركات الجهادية ..

فهل تستغل الحركة الإسلامية هذه الحالة لتطوير حراك ما على الأرض وفرض رؤيتها وتحقيق مبادئها الشرعية التي قامت من أجلها في يوم من الأيام؛ ام ستعاود الكرة في إثبات الاعتدال والاستخذاء في مقابل أعتى صور البطش والقتل والهمجية من أعدائها؟!


التعليقات